ظَاهِرٌ، فلا يزُولُ عنه بالشَّكِّ. وإنْ بانَ له الخطأُ، ولم يَعْرِفْ جِهَةَ القِبْلَة، كرَجُلٍ كان يُصَلِّى إلى جِهَةٍ، فرَأَى بعضَ مَنَازِل القمرِ في قِبْلَتِه، ولم يَدْرِ أهو في المشرِقِ أو المغرِبِ، واحْتَاجَ إلى الاجْتِهَادِ، بَطَلَتْ صلاتُه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه اسْتِدَامَتُها إلَى غيرِ القِبْلَةِ، وليست له جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إليها، فبَطَلَتْ، لِتَعَذُّرِ إتمامِها.
وجُمْلَتُه أنَّ المُجْتَهِدَيْنِ إذا اخْتَلَفَا، فَفَرْضُ كُلِّ وَاحِدٍ منهما الصلاةُ إلى الجهَةِ التي يُؤَدِّيه اجْتِهَادُهُ إليها أنَّها القِبْلَةُ، لا يسَعُهُ تَرْكُها، ولا تَقْلِيدُ صاحِبِه، سواءٌ كان أعْلَمَ منه، أو لم يَكنْ، كالعَالِمَيْنِ يَخْتَلِفَانِ في الحادِثَةِ. ولو أنَّ أحدَهُمَا اجْتَهَدَ، فأرادَ الآخَرُ تقلِيدَهُ مِنْ غيرِ اجْتِهَادٍ، لم يَجُزْ له ذلك، ولا يَسَعُه الصلاةُ حتى يَجْتَهِدَ، سواءٌ اتَّسَعَ الوقتُ، أو كان ضيِّقًا يَخْشَى خُروجَ وقتِ الصلاةِ، كالحَاكِمِ، لا يَسُوغُ له الحُكْمُ في حادِثَةٍ بِتَقْلِيدِ غيرِه. وقال القاضي: ظَاهِرُ كلامِ أحمدَ، في المُجْتَهِدِ الذي يَضِيقُ الوقتُ عن اجْتِهَادِهِ، أنَّ له تَقْلِيدَ غيرِه. وأشارَ إلَى قولِ أحمدَ، فِيمَنْ هو في مَدِينةٍ، فتَحَرَّى، فَصَلَّى لغيرِ القِبْلَةِ في بيتٍ يُعِيدُ؛ لأنَّ عليهِ أنْ يَسْأل، قال: فقد جَعَلَ فَرْضَ المَحْبُوسِ السُّؤَالَ، وهذا غيرُ صَحِيحٍ. وكلامُ أحمدَ إنَّما دَلَّ على أنَّه ليس لِمَنْ في المِصْرِ الاجْتِهَادُ؛ لأنَّه يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلى القِبْلَةِ بطَرِيقِ الخَبَرِ، والاسْتِدْلَالِ بالمَحَارِيبِ، بخِلَافِ المُسَافِرِ، وليس فيهِ دليلٌ على أنَّه يجوزُ له تَقْلِيدُ المُجْتَهِدِين في مَحَلِّ الاجْتِهَادِ عند ضِيقِ الوقتِ، ألا ترى أنَّ أبا عبدِ اللَّه لم يُفَرِّقْ بين ضِيقِ الوقتِ وسَعَتِهِ، مع اتِّفَاقِنا على أنَّه لا يَجُوزُ له التَّقْلِيدُ مع سَعَةِ الوقتِ، ولأنَّ الاجتِهَادَ في حَقِّهِ شَرْطٌ لصِحَّةِ الصلاةِ، فلم يَسْقُطْ بِضِيقِ الوقتِ، مع إمْكَانِهِ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ.
فصل: وإذا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ، فَصَلَّى كُلُّ واحِدٍ منهما إلى جِهَةٍ، فليس لأحدهِمَا الائْتِمَامُ بِصَاحِبِه. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ يَعْتَقِدُ خطأَ صاحِبِه، فلم يَجُزْ أن يَأْتَمَّ به، كما لو خَرَجَتْ مِنْ أحَدِهما رِيحٌ، واعْتَقَدَ كُلُّ