للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدَ السَّلَامِ: بارَكَ اللهُ لك في صَفْقَةِ يَمِينِكَ. أو دَعَا له بالمَغْفِرَةِ ونحوِ ذلك، لم تَبْطُلْ شُفْعَتُه؛ لأنَّ ذلك يَتَّصِلُ بالسَّلَامِ، فيكونُ من جُمْلَتِه، والدُّعَاءُ له بالبَرَكَةِ في الصَّفْقَةِ دُعَاءٌ لِنَفْسِه؛ لأنَّ الشِّقْصَ يَرْجِعُ إليه، فلا يكونُ ذلك رِضًى. وإن اشْتَغلَ بكَلَامٍ آخَرَ، أو سَكتَ لغيرِ حاجَةٍ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه؛ لما قَدَّمْنَا.

فصل: فإنْ أَخْبَرَهُ بالبَيْعِ مُخْبِرٌ، فَصَدَّقَهُ، ولم يُطَالِبْ بالشُّفْعَةِ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه، سواءٌ كان المُخْبِرُ مِمَّن يُقْبَلُ خَبَرُه أو لا يُقبَلُ؛ لأنَّ العِلْمَ قد يَحْصُلُ بِخَبَرِ مَن لا يُقْبَلُ خَبَرُه، لِقَرَائِنَ دَالَّة على صِدْقِه. وإن قال: لم أُصَدِّقْهُ. وكان المُخْبِرُ ممَّن يُحْكَمُ بِشَهَادَتِه، كرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه؛ لأنَّ قَوْلَهُما حُجَّةٌ تَثْبُتُ بها الحُقُوقُ. وإن كان مِمَّن لا يُعْمَلُ بِقَوْلِه، كالفاسِقِ والصَّبِيِّ، لم تَبْطُلْ شُفْعَتُه. وحُكِىَ عن أبي يوسفَ أنَّها تَسْقُطُ؛ لأنَّه خَبَرٌ يُعْمَلُ به في الشَّرْعِ، في الإِذْنِ في دُخُولِ الدَّارِ وشِبْهِه، فسَقَطَتْ به الشُّفْعَةُ، كخَبَرِ العَدْلِ. ولَنا، أنَّه خَبَرٌ لا يُقْبَلُ في الشَّرْعِ، فأَشْبَهَ قولَ الطِّفْلِ والمَجْنُونِ. وإن أخْبَرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ، أو مَسْتُورُ الحالِ، سَقَطَتْ شُفْعَتُه. ويَحْتَمِل أن لا تَسْقُطَ. ويُرْوَى هذا عن أبي حنيفةَ، وزُفَرَ؛ لأنَّ الواحِدَ لا تَقُومُ به البَيِّنَةُ. ولَنا، أنَّه خَبَرٌ لا تُعْتَبَرُ فيه الشَّهَادَةُ، فقُبِلَ من العَدْلِ، كالرِّوَايةِ والفُتْيَا وسائِر الأخْبارِ الدِّينِيّة. وفارَقَ الشَّهادَةَ، فإنَّه يُحْتَاطُ لها باللَّفْظِ، والمَجْلِس، وحُضُورِ المُدَّعَى عليه، وإِنْكَارِه، ولأنَّ الشَّهَادَةَ يُعَارِضُها إنْكَارُ المُنْكِرِ، وتُوجِبُ الحَقَّ عليه، بِخِلَافِ هذا الخَبَر. والمَرْأةُ في ذلك كالرَّجُلِ، والعَبْدُ كالحُرِّ. وقال القاضي: هما كالفاسِقِ والصَّبِىِّ. وهذا مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ قَوْلَهما لا يَثْبُتُ به حَقٌّ. ولَنا، أنَّ هذا خَبَرٌ وليس بشَهَادَةٍ، فاسْتَوَى فيه الرَّجُلُ والمَرْأَةُ، والعَبْدُ والحُرُّ، كالرِّوَايةِ والأخْبَارِ الدِّينِيّةِ. والعَبْدُ من أهْلِ الشَّهَادَةِ فيما عدا الحُدُودَ والقِصَاصَ، وهذا ممَّا عَداها، فأَشْبَه الحُرَّ.

فصل: إذا أظْهَرَ المُشْتَرِى أنَّ الثَّمنَ أَكْثَرُ ممَّا وَقَعَ العَقْدُ به، فتَرَكَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، لم تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ بذلك. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، ومالِكٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>