للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَضاءُ، كما لو أكَلَ شَاكًّا فى غُرُوبِ الشَّمْسِ. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (٩). مَدَّ الأكْلَ إلى غايَةِ التَّبَيُّنِ، وقد يكونُ شَاكًّا قبلَ التَّبَيُّنِ، فلو لَزِمَهُ القَضاءُ لَحَرَّمَ عليه الأكْلَ، وقال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَكُلُوا، وَاشْرَبُوا، حَتّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ" (١٠) وكان رَجُلًا أَعْمَى، لا يُؤَذِّنُ حتى يُقالَ له: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. ولأنَّ الأصْلَ بَقاءُ اللَّيْلِ، فيكون زَمانُ الشَّكِّ منه ما لم يُعْلَمْ يَقِينُ زَوَالِه، بِخِلَافِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فإنَّ الأصْلَ بَقاءُ النَّهارِ، فبَنَى عليه.

فصل: وإن أكَلَ شَاكًّا فى غُرُوبِ الشَّمْسِ، ولم يَتَبَيَّنْ، فعليه القَضاءُ؛ لأنَّ الأصْلَ بَقاءُ النَّهارِ. وإنْ كان حِينَ الأَكْلِ ظَانًّا أن الشَّمْسَ قد غَرَبَتْ، أو أن الفَجْرَ لم يَطْلُعْ، ثم شَكَّ بعد الأكْلِ، ولم يَتَبَيَّنْ، فلا قَضاءَ عليه؛ لأنَّه لم يُوجَدْ يَقِينٌ أزالَ ذلك الظَّنَّ الذى بَنَى عليه، فأشْبَهَ ما لو صَلَّى بالاجْتِهادِ، ثم شَكَّ فى الإِصابَةِ بعد صلاتِه.

٥٠٠ - مسألة؛ قال: (ومُبَاحٌ لِمَنْ جَامَعَ بِاللَّيْلِ أنْ لَا يَغتَسِلَ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ، وَهُوَ عَلَى صَوْمِهِ)

وجُمْلَتُه، أن الجُنُبَ له أن يُؤَخِّرَ الغُسْلَ حتى يُصْبِحَ، ثم يَغْتَسِلَ، ويُتِمَّ صَوْمَهُ، فى قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ، منهم علىٌّ، وابنُ مسعودٍ، وزَيْدٌ، وأبو الدَّرْدَاءِ، وأبو ذَرٍّ، وابنُ عمرَ، وابنُ عَبَّاسٍ، وعائشةُ، وأُمُّ سَلَمَةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، فى أَهْلِ الحِجازِ، وأبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ، فى أَهْلِ العِرَاقِ، والأوْزاعِىُّ فى أهْلِ الشَّامِ، واللَّيْثُ، فى أهْلِ مصرَ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدَةَ، فى


(٩) سورة البقرة ١٨٧.
(١٠) تقدم تخريجه فى ٢/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>