للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرَ ماعِزًا بالإِقْرارِ: "يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ" (٢٠). وقال أصحابُ الشَّافعىِّ: تَوبة هذا إقْرارُه ليُقامَ عليه الحدُّ. وليس بِصَحيحٍ؛ لما ذَكرْنا، ولأنَّ التَّوْبةَ تُوجَدُ حَقيقتُها بدون الإِقْرارِ، وهى تَجُبُّ ما قَبْلَها، كما وَرَدَ فى الأخبارِ، مع ما دلَّتْ عليه الآياتُ فى مَغْفرةِ الذُّنوبِ بالاسْتِغْفارِ، وتَرْكِ الإِصْرارِ. وأمَّا البِدْعةُ، فالتَّوبة منها بالاعْترافِ بها، والرُّجوعِ عنها، واعْتقادِ ضِدِّ ما كان يَعْتَقِدُ منها.

فصل: ظاهرُ كلامِ أحمدَ والخِرَقىِّ، أنَّه لا يُعْتبَرُ فى ثُبوتِ أحكام التَّوبةِ، من قَبولِ الشَّهادةِ، وصِحَّةِ وِلايتِه فى النِّكاحِ، إصْلاحُ العَملِ. وهو أحدُ [القوليْنِ للشَّافعىِّ] (٢١)، وفى القَوْلِ الآخَرِ، يُعْتبَرُ إصْلاحُ العَملِ، إِلَّا أن يَكونَ ذَنْبُه الشَّهادةَ بالزِّنَى، ولم يَكْمُلْ عددُ الشُّهودِ، فإنَّه يَكْفِى مُجرَّدُ التَّوْبةِ مِن غيرِ اعْتبارِ إصْلاحٍ، وما عَداه فلا تَكْفِى التَّوبةُ حتى تَمضِىَ عليه سَنةٌ، تَظْهرُ فيها تَوْبتُه، ويَتَبيَّنُ فيها صَلاحُه. وذكرَ أبو الخَطَّاب هذا رِوايةً [عن أحمدَ] (٢٢)؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا}. وهذا نَصٌّ، فإنَّه نَهَى عن قَبولِ شَهادتِهم، ثم اسْتَثْنَى التَّائبَ المُصلِحَ؛ ولأنَّ عُمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، لمَّا ضَربَ صَبيغًا أمرَ بهِجْرانِه، حتى بلغَتْه تَوْبتُه، فأمرَ أن لا يُكلَّم إِلَّا بعدَ سَنَةٍ (٢٣). ولَنا، قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-. "التَّوبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا" (٢٤). وقولُه: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ" (٢٥). ولأنَّ المغْفرةَ تَحْصُلُ بمُجَرَّدِ التَّوبةِ، فكذلكَ الأحكامُ، ولأنَّ التَّوبةَ مِن الشِّرْكِ بالإِسلامِ لا تَحْتاجُ إلى اعْتِبارِ ما بعدَه، وهو أعظمُ الذُّنوبِ كلِّها (٢٦)، فما دونَه أوْلَى. فأمَّا الآيةُ، فيَحْتَمِلُ أن يكونَ الإِصلاحُ هو التَّوْبةَ،


(٢٠) تقدم تخريجه، فى: ١٢/ ٣٨٠.
(٢١) فى ب: "قولى الشافعى".
(٢٢) فى م: "لأحمد".
(٢٣) أخرجه الدارمى، فى: باب من هاب الفتيا، وكره التنطع والتبدع، من المقدمة. سنن الدارمى ١/ ٥٤ - ٥٦. وانظر: الإصابة ٣/ ٤٥٨، ٤٥٩.
(٢٤) لم نجده بهذا اللفظ، وإنما الوارد: "الاسلام يجب ما قبله" و"الهجرة تجب ما قبلها". انظر: المسند ٤/ ١٩٩، ٢٠٤، ٢٠٥. وانظر ما تقدم فى: ٩/ ٥٦٣.
(٢٥) تقدم تخريجه فى: ٩/ ٥٦٣.
(٢٦) سقط من: أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>