للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمدُ، فى رِوايةِ أبى طالبٍ: قد كنتُ أقولُ: يُعْتَقُ من زَكاتِه، لكن أهابُه اليومَ؛ لأنَّه (٥) يَجُرُّ الوَلاءَ. وفى موضعٍ آخرَ، قيل له: فما يُعْجِبُكَ من ذلك؟ قال: يُعِينُ من ثَمَنِها، فهو أسْلَمُ. وقد رُوِىَ نحوُ هذا عن النَّخَعِىِّ، وسعيدِ بن جُبَيْرٍ، فإنَّهما قالا: لا يُعْتِقُ من الزَّكاةِ رَقَبةً كامِلَةً، لكن يُعْطِى منها فى رَقَبةٍ، ويُعِينُ مُكاتَبًا. وبه قال أبو حنيفةَ وصاحِبَاه؛ لأنَّه إذا أعْتَقَ من زَكاتِه، انْتَفَعَ بوَلاءِ مَنْ أعْتَقَه، فكأنَّه صَرَفَ الزكاةَ إلى نَفْسِه. وأخَذَ ابنُ عقيلٍ من هذه الرِّواية، أَنَّ أحمدَ رَجَعَ عن القولِ بالإِعْتاقِ من الزَّكاةِ. وهذا -واللَّه أعلمُ- من أحمدَ إنَّما كان على سبيلِ الوَرَعِ، فلا يقتَضِى رُجُوعًا؛ لأنَّ العِلّةَ التى تَمَلَّكَ بها جَرُّ الوَلاءِ، ومَذهَبُه أَنَّ ما رَجَعَ من الوَلاءِ رُدَّ فى مِثْلِه، فلا يَنْتَفِعُ إذًا بإعْتاقِه من الزَّكاةِ.

فصل: ولا يجوزُ أن يَشْتَرِىَ من زَكاتِه مَنْ يَعْتِقُ عليه بالرَّحِمِ، وهو كلُّ ذى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فإن فعَل عَتَقَ عليه، ولم تَسْقُطْ عنه الزَّكاةُ. وقال الحسنُ: لا بأسَ أن يُعْتِقَ أباه بن الزَّكاةِ؛ لأنَّ دَفْعَ الزَّكاةِ لم يَحْصُلْ إلى أَبِيه، وإنَّما دَفَعَ الثَّمنَ إلى بائِعِه. ولَنا، أَنَّ نَفْعَ زَكَاتِه عاد إلى أبِيه، فلم يَجُزْ، كما لو دَفَعَها إليه، ولأنَّ عِتْقَه حَصَلَ بنفسِ الشِّراءِ مُجازاةً وصِلَةً للرَّحِمِ (٦)، فلم يَجُزْ أن يَحْتَسِبَ له به عن الزَّكاةِ، كنَفَقةِ أقارِبِه. ولو أعْتَقَ عَبْدَه المَمْلوكَ (٧) له عن زكاتِه، لم يُجْزِئْهُ (٨)؛ لأنَّ أداءَ الزَّكاةِ عن كلِّ مالٍ من جِنْسِه، والعَبْدُ ليس من جِنْسِ ما تَجِبُ الزكاةُ فيه. ولو أعْتَقَ عبدًا [عن عَبِيد التِّجارةِ] (٩)، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الواجبَ فى قِيمَتِهِم، لا فى عَيْنِهِم.

فصل: ويجوزُ أن يَشْتَرِىَ من زَكاتِه أسيرًا مُسْلِمًا من أيْدِى المُشْرِكينَ؛ لأنَّه فَكُّ رَقَبَةٍ


(٥) فى الأصل، ب، م: "ولأنه".
(٦) فى الأصل، ب: "الرحم".
(٧) فى الأصل: "الملك".
(٨) فى م: "يجز".
(٩) فى م: "من عبيده للتجارة".

<<  <  ج: ص:  >  >>