للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (٢٣).

فصل: وإذا لم تَكْمُلْ شُهودُ الزِّنَى، فعليهم الحَدُّ. في قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأصحابُ الرَّأْىِ. وذكرَ أبو الخَطَّابِ فيهم رِوَايتَيْن. وحُكِىَ عن الشَّافِعِىِّ فيهم قَوْلَانِ؛ أحدُهما، لا حَدَّ عليهم؛ لأنَّهم شُهودٌ، فلم يجبْ عليهم الحَدُّ، كما لو كانوا أربعةً أحدُهم فاسِقٌ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (٢٣). وهذا يُوجِبُ الجلدَ على كلِّ رامٍ لم يَشْهدْ بما قال أرْبَعةٌ، ولأنَّه إجْماعُ الصَّحابةِ، فإنَّ عمرَ جَلَدَ أبا بَكْرةَ وأصحابَه حينَ لم يُكْمِلِ الرَّابِعُ شهادتَه، بمَحْضَرٍ من الصَّحابَةِ، فلم يُنْكِرْه أحَدٌ. ورَوَى صالِحٌ في "مسائِلِه"، بإسْنادِه عن أبي عثمان النَّهْدِىِّ، قال: جاءَ رجلٌ إلى عمرَ، فشَهِدَ على المُغيرةِ بنِ شُعْبةَ، فتَغيَّرَ لَوْنُ عمرَ، ثم جاءَ آخَرُ فشَهِدَ، فتغيَّرَ لَوْنُ عمرَ، ثم جاءَ آخرُ فشَهِدَ، فاسْتَكْبرَ ذلك عمرُ، ثم جاء شابٌّ يخْطُرُ بيدَيْهِ، فقال عمرُ: ما عندَك يا (٢٤) سَلْحَ العُقابِ؟ وصاح به عمرُ (٢٥) صَيْحَةً، فقال أبو عثمان: واللهِ لقد كِدْتُ يُغْشَى علىَّ. فقال: يا أميرَ المؤمنينِ، رأيتُ أمْرًا قبيحًا. فقال: الحمدُ للهِ الذي لم يُشَمِّتِ الشَّيْطانَ بأصحابِ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: فأمرَ بأُولئِك النَّفَرِ فجُلِدُوا. وفي روايةٍ، أنَّ عمرَ لمَّا شُهِدَ عندَه على المُغِيرةِ، شَهِدَ ثلاثةٌ، وبَقِىَ زيادٌ، فقال عمرُ: أرى شابًّا حَسَنًا، وأرجُو أن لا يفْضَحَ اللهُ على لسانِه رجلًا من أصحابِ محمدٍ [رسولِ اللَّه] (٢٦) -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال: يا أمير المؤمنين (٢٧)، رأيتُ اسْتًا تنْبُو، ونَفَسًا يعْلُو، ورأيتُ رِجْلَيْها فوقَ عُنُقِه، كأنَّهما أُذُنَا حمارٍ، ولا أدْرِى ما وراءَ ذلك؟ فقال عمر: اللَّه أكبرُ. وأمرَ بالثَّلاثَةِ


(٢٣) سورة النور ٤.
(٢٤) سقط من: الأصل.
(٢٥) سقط من: ب.
(٢٦) ليس في الأصل.
(٢٧) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>