للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَوْعَيْنِ؛ أحدهما، أن تَقَعَ الإِجَارةُ على عَيْنٍ، كإجَارَةِ عَبْدِه لرِعَايةِ غَنَمٍ (٥)، أو وَلَدِه لِعَمَلٍ مُعَيّنٍ. والثانى، أن تَقَعَ على عَمَلٍ في الذِّمّةِ، كخِيَاطةِ قَمِيصٍ وبِنَاءِ حائِطٍ، فمتى كانت على عَمَلٍ في ذِمَّتِه فمَرِضَ، وَجَبَ عليه أن يُقِيمَ مُقَامَه مَنْ يَعْمَلُه؛ لأنَّه حَقٌّ وَجَبَ في ذِمَّتِه، فوَجَبَ عليه إيفاؤُه، كالمُسْلَمِ فيه، ولا يَجِبُ على المُسْتَأْجِرِ إنْظَارُه؛ لأنَّ العَقْدَ بإطْلَاقِه يَقْتَضِى التَّعْجِيلَ، وفى التّأْخِيرِ إضْرارٌ به. فأمَّا إن كانت الإِجَارةُ على عَيْنِه (٦) في مُدَّةٍ أو غيرِها، فمَرِضَ لم يُقِمْ غيرَه مُقَامَه؛ لأنَّ الإِجَارَةَ وَقَعَتْ على عَمَلِه بِعَيْنِه، لا على شيءٍ في ذِمَّتِه، وعَمَلُ غيره ليس مَعْقُودًا عليه، وإنَّما وَقَعَ العَقْدُ على مُعَيَّنٍ، فأشْبَه ما لو اشْتَرَى مُعَيَّنًا، لم يَجُزْ أن يَدْفَعَ إليه غَيرَه، ولا يُبْدِلَه، بخِلَافِ ما لو وَقَعَ في الذِّمَّةِ، فإنَّه يجوزُ إبْدالُ المَعِيبِ، ولا يَنْفَسِخُ العَقْدُ بِتَلَفِ ما تَسَلّمَهُ، والمَبِيعُ المُعَيَّنُ بخِلَافِه، فكذلك الإِجَارةُ. وإن كانت الإِجَارةُ على عَمَلٍ في الذِّمَّةِ، لكنَّه لا يَقُومُ غيرُ الأجِيرِ مَقَامَه، كالنَّسْخِ، فإنَّه يَخْتَلِفُ القَصْدُ فيه باخْتِلافِ الخُطُوطِ، لم يُكَلَّفْ إقَامَةَ غيرِه مُقَامَه، ولا يَلْزَمُ المُسْتَأْجِرَ قَبُولُ ذلك إن بَذَلَه الأجِيرُ؛ لأنَّ الغَرَضَ لا يَحْصُلُ من غيرِ الناسِخِ، كَحُصُولِه منه، فأشْبَهَ ما لو أسْلَم إليه في نَوْعٍ، فسَلَّمَ إليه غيرَه. وهكذا كل ما يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ الأعْيانِ.

فصل: يجوزُ الاسْتِئْجارُ لِحَفْرِ الآبارِ والأنْهارِ والقُنِىِّ؛ لأنَّها مَنْفَعَةٌ مَعْلُومةٌ، يجوزُ أن يَتَطَوّعَ بها الرَّجُلُ على غيرِه، فجازَ عَقْدُ الإِجَارةِ عليها (٧)، كالخِدْمةِ. ولا بدَّ من تَقْدِيرِ العَمَلِ بمُدّةٍ، أو عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فإن قَيَّدَه بمُدَّةٍ، نحو أن يقولَ: اسْتَأْجَرْتُكَ شَهْرًا، لِتَحْفِرَ لِى بِئْرًا [أو نَهْرًا] (٨). لم يَحْتَجْ إلى مَعْرِفةِ القَدْرِ (٩) وعليه أن يَحْفِرَ ذلك


(٥) في ب، م: "غنمه".
(٦) في ب، م: "عبده".
(٧) في م: "عليه".
(٨) سقط من: ب.
(٩) في م: "القنى".

<<  <  ج: ص:  >  >>