للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِبْطِيَّة، كذلك قال الحسنُ، وقَتادَةُ (٨). قُلنا: ما ذَكَرْناه أَصَحُّ؛ فإنَّه مُتَّفَقٌ عليه، وقولُ عائِشَةَ صاحِبَةِ القِصَّةِ الحاضِرَةِ للتَّنْزيلِ، المشاهِدَةِ للحالِ، أَوْلَى، والحسنُ وقَتادَةُ لو سَمِعَا قولَ عائِشَةَ، لم يَعْدِلا به شيئًا، ولم يَصِيرَا إلى غيرِه، فكيفَ يُصارُ إلى قَوْلِهما، ويُترَكُ قَوْلُها! وقد رُوِىَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عُمَرَ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه جَعَلَ تحْريمَ الحلالِ يَمِينًا (٩). ولو ثَبَتَ أَنَّ الآيةَ نزلَتْ فى تَحْريمِ ماريِةَ، كان حُجَّة لنا؛ لأَنَّها من الحلالِ الذى حَرَّمَ، وليستْ زَوْجَةً، فوجوبُ الكَفَّارَةِ بِتَحْرِيمها يَقْتضِى وجُوبَه فى كُلِّ حلالٍ حُرِّمَ، بالقياس عليها؛ لأَنّه حَرَّمَ الحلالَ فأوْجَبَ الكفّارَةَ، كتَحْرِيمِ الأَمَةِ والزَّوْجَةِ، وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بِتَحْرِيمِها. وإذا قال: هذه رَبِيبَتِى. يقْصِدُ تَحْرِيمَها، فهو ظِهارٌ.

١٧٨٩ - مسألة؛ قال: (أو يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أو أعْزِمُ بِاللَّهِ)

هذا قولُ عامَّةِ الفُقهاءِ، لا نعلَمُ فيه خِلافًا، وسواء نَوَى اليَمِينَ، أو أطلَقَ؛ لأنَّه لو قال: باللَّه. ولم يقُلْ: أُقْسِمُ، ولا أشْهَدُ، ولم يذكُرِ الفِعْلَ، كان يَمِينًا، وإنَّما كان يَمِينًا بتَقْديرِ الفِعْلِ قَبْلَه؛ لأنَّ الباءَ تَتَعَلَّقُ بفعلٍ مُقَدَّرٍ، على ما ذَكَرْناه، فإذا أَظْهَرَ الفِعْلَ، ونَطَقَ بالمُقدَّرِ، كان أوْلَى بثُبُوتِ حُكْمِه، وقد ثَبَتَ له عُرْفُ الاسْتِعْمال، قال اللَّهُ تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (١). وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} (٢). وقال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (٣). ويقولُ المُلاعِنُ فى لِعَانِه: أَشْهَدُ باللَّه إنِّى لَمِنَ الصَّادِقِين. وتقولُ المَرْأَةُ: أشْهَدُ باللَّه إنه لَمِنَ الكاذِبِينَ. وأنشَدَ أعرابِىٌّ عمرَ:

* أُقْسِمُ باللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهْ (٤) *


= من كتاب الأيمان والنذور، وفى: باب الغيرة، من كتاب عشرة النساء. المجتبى ٦/ ١٢٣، ٧/ ١٣، ٦٦. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٢٢١.
(٨) انظر: تفسير الطبرى ٢٨/ ١٥٥ - ١٥٨.
(٩) انظر ما تقدم فى: ١/ ٣٩٨.
(١) سورة المائدة ١٠٦.
(٢) انظر ما تقدم فى حاشية صفحة ٤٥٧.
(٣) سورة النور ٦.
(٤) طبقات الشافعية الكبرى ١/ ٢٦٤، والرجز دون هذا البيت أيضًا فى: الخصائص ٢/ ٧٣، شرح الفصل ١/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>