للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو قال: طَلَّقِ امْرأتِى. وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: ذلك مَقْصورٌ على المجلسِ؛ لأنَّه نَوْعُ تَخْييرٍ، أشْبَهَ ما لو قال: اخْتارِى. ولَنا، أنَّه توكيلٌ مُطْلَقٌ، فكان على التَّراخِى، كالتَّوْكيلِ فى البيعِ. وإذا ثَبَتَ هذا فإنَّ له أن يُطَلِّقَها، ما لم يَفْسَخْ أو يَطَأْها، وله أن يُطلِّقَ واحدةً وثلاثًا كالمرأةِ، وليس له أن يَجْعلَ الأَمْرَ إلَّا بيَدِ مَن يَجوزُ تَوكيلُه، وهو العاقلُ، فأمَّا الطِّفلُ والمجنونُ، فلا يَصِحُّ أن يَجْعَلَ الأمْرَ بأيْدِيهم، فإن فعلَ، فطَلَّقَ واحدٌ منهم، لم يَقَعْ طلاقُه. وقال أصحابُ الرَّأْىِ: يَصِحُّ. ولَنا، أنَّهما ليسا مِن أهلِ التَّصَرُّفِ، فلم يَصِحَّ تَصرُّفُهم، كما لو وَكَّلَهم فى العِتْقِ. وإن جعلَه فى يَد كافرٍ، أو عبدٍ، صَحَّ؛ لأنَّه ممَّن يَصِحُّ طلاقُه لنفسِه، فصَحَّ توكيلُهما فيه. وإن جعلَه فى يَدِ امْرأةٍ، صَحَّ؛ لأنَّه يَصِحُّ توكيلُها فى العِتْقِ، فصحَّ فى الطَّلاقِ، كالرَّجلِ. وإن جعَلَه فى يد صَبِىٍّ يَعْقِلُ الطَّلاقَ، انْبَنَى ذلك على صِحَّةِ طَلاقِه لزَوْجتِه، وقد مَضَى ذلك. وقد نصَّ أحمدُ ههُنا على اعْتبارِ وكالتِه بطلاقِه، فقال: إذا قال الصَّبِىُّ: طلِّقِ امرأتى ثلاثًا. فطَلَّقَها ثلاثًا، لا يَجوزُ عليها حتى يَعْقِلَ الطَّلاقَ، أرأيتَ لو كان لهذا الصَّبِىِّ امرأةٌ فطلَّقَها، أكان يَجوزُ طلاقُه؟ فاعْتَبَرَ طلاقَه بالوكالةِ بطلاقِه لنفسِه. وهكذا لو جَعلَ أمْرَ الصَّغيرةِ والمجنونةِ بيدها، لم تَمْلِكْ ذلك. نصَّ عليه أحمدُ، فى امرأةٍ صغيرةٍ قال لها: أمْرُك بيدِك. فقالت: اخْتَرْتُ نفسى. ليس بشىءٍ حتى يكونَ مثلُها يَعْقِلُ. وهذا لأنَّه تَصَرُّفٌ بحُكْمِ التوكيلِ، وليست مِن أهلِ التَّصَرُّفِ وظاهرُ كلامِ أحمدَ أنَّها إذا عَقَلَتِ الطَّلاقَ، وقَعَ طلاقُها. وإن لم تَبلُغْ، كما قَرَّرْناه فى الصَّبِىِّ إذا طلَّقَ. وفى الصَّبِىِّ روايةٌ أُخْرَى: لا يَقعُ طَلاقُه حتى يَبلُغَ، فكذلك يُخَرَّجُ فى هذه؛ لأنَّها مثلُه فى المعنى. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: فإن جعَلَه فى يَدِ اثنينِ، أو وكَّلَ اثنينِ فى طَلاقِ زوجتِه، صَحَّ، وليس لأحَدِهما أن يُطَلِّقَ على الانْفرادِ، إلا أن يَجْعَلَ إليه ذلك؛ لأنَّه إنَّما رَضِىَ بتَصرُّفِهما جميعًا. وبهذا قال الحسنُ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، والشَّافعىُّ، وأبو عُبَيدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وإن طلَّقَ أحدُهما واحدةً (١)، والآخَرُ ثلاثًا، وقَعتْ واحدةٌ، وبهذا قال


(١) فى الأصل: "ثلاثة".

<<  <  ج: ص:  >  >>