للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَن كان مثلَهم مثلُ حُكْمهم. وكذلك كلُّ جاهلٍ بشيءٍ يُمْكِنُ أن يَجْهَلَه، لا يُحْكَمُ بِكُفْرِه حتى يعرِفَ ذلك، وتَزُولَ عنه الشُّبْهةُ، ويسْتَحِلَّه بعدَ ذلك. وقد قال أحمد: من قال: الخمرُ حلالٌ. فهو كافرٌ يُسْتَتابُ، فإن تابَ، وإِلَّا ضُرِبتْ عنقُه. وهذا محمولٌ على مَن لا يَخْفَى على مثلِهِ تحريمُه؛ لما ذكرْنا. فأمَّا من (٤) أكلَ لحمَ خِنْزِيرٍ (٥)، أو مَيْتة، أو شرِبَ خمرًا، لم يُحْكَمْ برِدَّتِه بمُجَرَّدِ ذلك، سواءٌ فعَلَه في دارِ الحربِ أو دارِ الإِسلامِ؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ فَعَلَه مُعْتقِدًا تَحْريمَه، كما يفعلُ غيرَ ذلك من المُحَرَّماتِ.

١٥٤١ - مسألة؛ قال: (وَذَبِيحَةُ المُرْتَدِّ حَرَامٌ، وإنْ كانَتْ رِدَّتُهُ إلى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ)

هذا قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىّ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وقال إسحاقُ: إنْ تَدَيَّنَ بدينِ أهلِ الكتابِ، حَلَّتْ ذبيحَتُه. ويُحْكَى ذلك عن الأوْزَاعِىّ؛ لأن عَليًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: مَن تَوَلَّى قَومًا فهو منهم. ولَنا، أنَّه كافرٌ، لا يُقَرُّ على دِينِه، فلم تَحِلَّ ذَبِيحَتُه، كالوَثَنِىِّ؛ ولأنَّه لا تثْبُتُ له أحكامُ أهلِ الكتابِ إذا تَدَيَّنَ بدينهمْ؛ فإنَّه لا يُقَرُّ بالجِزْيَةِ، ولا يُسْتَرَقُّ. ولا يَحِلُّ نِكاحُ المُرْتَدَّةِ. وأمَّا قولُ عليٍّ: فهو منهم. فلم يُرِدْ به أنَّه منهم في جميعِ الأحكامِ، بدليلِ ما ذكرْنا، ولأنَّه لم يكُنْ يَرَى حِلَّ ذبائحِ نَصارَى بنى تَغْلِبَ، ولا نكاحَ نسائِهم (١)، مع تَوْلِيَتهِم للنَّصارَى، ودُخولِهم في دِينهِم، ومع إقْرارِهم بما صُولِحُوا عليه، فلأَنْ لا يَعْتَقِدَ ذلك في المُرْتَدِّين أوْلَى. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إذا ذَبَحَ حيوانًا لغيرِه بغِيرِ إذْنِه، ضَمِنَه بقِيمَتِه حيًّا؛ لأنَّه أتْلَفَه عليه، وحرَّمَه، وإن ذبَحَهُ بإذْنِه، لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه أَذِنَ في إتْلافِه.


= المصنف ٩/ ٢٤٤، ٢٤٥. كما ذكرها ابن عبد البر، في: الاستيعاب ٤/ ١٦٢٢، ١٦٢٣.
(٤) في ب، م: "إن".
(٥) في م: "الخنزير".
(١) أخرجه البيهقي، في: باب ذبائح نصارى العرب، من كتاب الضحايا. السنن الكبرى ٩/ ٢٨٤. وعبد الرزاق، في: باب نصارى العرب، من كتاب الطلاق. المصنف ٦/ ٧٢، ٧/ ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>