للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضِىَ اللَّه عنه، لَمَّا وَقَفَ قال: ولا بَأْسَ على من وَلِيَها أن يَأْكُلَ منها، أو يُطْعِمَ صَدِيقًا، غيرَ مُتَمَوِّلٍ فيه (١). وكان الوَقْفُ في يَدِه إلى أن ماتَ. ولأنَّه إذا وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا، كالمَسَاجِدِ، والسِّقَاياتِ، والرِّباطَاتِ، والمَقَابِرِ، كان له الانْتِفَاعُ به، فكذلك ههُنا. ولا فَرْقَ بين أن يَشْتَرِطَ لِنَفْسِه الانْتِفَاعَ به مُدَّةَ حَيَاتِه، أو مُدَّةً مَعْلُومةً مُعَيَّنةً، وسواءٌ قَدَّرَ ما يَأْكُلُ منه، أو أطْلَقَه؛ فإنَّ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، لم يُقَدِّرْ ما يَأْكُلُ الوالِى ويُطْعِمُ إلَّا بقولِه: بالمَعْرُوفِ. وفي حَدِيثِ صَدَقَةِ رَسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه شَرَطَ أن يَأْكُلَ أهْلُه منها بالمَعْرُوفِ غيرِ المُنْكَرِ. إلَّا أنَّه إذا شَرَطَ أن يَنْتَفِعَ به مُدَّةً مُعَيَّنةً. فماتَ فيها، فيَنْبَغِى أن يكونَ ذلك لِوَرَثَتِه، كما لو باعَ دارًا واشْتَرَطَ أن يَسْكُنَها سَنَةً، فماتَ في أثْنائِها. واللَّه أعلم.

فصل: وإن شَرَطَ أن يَأْكُلَ أهْلُه منه، صَحَّ الوَقْفُ والشَّرْطُ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَرَطَ ذلك في صَدَقَتِه. وإن اشْتَرَطَ أن يَأْكُلَ مَنْ وَلِيَه منه، ويُطْعِمَ صَدِيقًا، جازَ؛ لأنَّ عمَرَ رَضِىَ اللَّه عنه شَرَطَ ذلك في صَدَقَتِه، التي اسْتَشَارَ فيها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإن وَلِيَها الواقِفُ، كان له أن يَأْكُلَ ويُطْعِمَ صَدِيقًا؛ لأنَّ عمرَ وَلِىَ صَدَقَتَه. وإن وَلِيَها أحدٌ من أهْلِه، كان له ذلك؛ لأنَّ حَفْصَةَ بِنْتَ عمرَ كانت تَلِى صَدَقَتَه بعد مَوْتِه، ثم وَلِيَها بعدَها عبدُ اللَّه بن عُمَرَ.

فصل: وإن شَرَطَ أن يَبِيعَه متى شاءَ، أو يَهَبَه، أو يَرْجِعَ فيه، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ، ولا الوَقْفُ. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا؛ لأنَّه يُنَافِى مُقْتَضَى الوَقْفِ. ويَحْتَمِلُ أن يَفْسُدَ الشَّرْطُ، ويَصِحَّ الوَقْفُ، بِنَاءً على الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيْعِ. وإن شَرَطَ الخِيَارَ في الوَقْفِ، فَسَدَ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشافِعىُّ. وقال أبو يوسفَ، في رِوَايةٍ عنه: يَصِحُّ؛ لأنَّ الوَقْفَ تَمْلِيكُ المنَافِعِ، فجازَ شَرْطُ الخِيَارِ فيه، كالإِجَارَةِ. ولَنا، أنه


(١) تقدم في صفحة ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>