للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحدةٍ رجلًا، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يَحْنَثُ؛ لأنَّ تَكْليمَهما وُجِدَ منهما، فحَنِثَ، كما لو قال: إن حِضْتُما فأنُتما طالقتانِ. فحاضَتْ كلُّ واحدةٍ حَيْضةً. وكذلك لو قال: إن رَكِبْتُما دابَّتَيْكما فأنُتما طالقتانِ. فرَكِبَت كلُّ واحدةٍ دابَّتَهَا. والوجهُ الثانى، لا يَحْنَثُ حتى تُكَلِّمَ كلُّ واحدةٍ منهما الرَّجُلَينِ معًا؛ لأنَّه علَّقَ طلاقَهما بكلامِهما لهما، فلا تَطْلُقُ واحدةٌ بكلامِ الأُخْرَى وحدَها. وهذا أظْهَرُ الوَجْهينِ لأصْحابِ الشَّافعىِّ. وهكذا لو (٥٩) قال: إن دخَلْتُما هاتَيْنِ الدَّارَيْنِ. فالحُكْمُ فيها كالأُولَى. وهذا فيما لم تَجرِ العادةُ بانْفرادِ الواحدِ به، فأمَّا مَا جَرَى العُرْفُ فيه بانْفرادِ الواحدِ فيه بالواحدِ، كنحوِ: رَكِبَا دابَّتَيْهما، ولَبِسا ثوبَيْهما، وتَقَلَّدا سَيْفَيْهما، واعْتَقَلا رُمْحَيْهما، ودخَلا بزَوْجَيْهما. وأشْباه هذا، فإنَّه يَحنَثُ إذا وُجِدَ منهما مُنْفَرِدَيْنِ، وما لم تَجْرِ العادةُ فيه بذلك، فهو على الوَجْهينِ. [واللَّهُ أعلمُ] (٦٠). ولو قال: إن أكْلتُما هذينِ الرَّغِيفَيْنِ. فأكلتْ كلُّ واحدةٍ منهما رغيفًا، حَنِثَ (٦١)؛ لأنَّه يَسْتحيلُ أن تَأْكُلَ كلُّ واحدةٍ منهما الرَّغِيفَيْنِ، بخلافِ الرَّجُلَيْنِ والدَّارينِ.

فصل: فإن قال: أنت طالقٌ إن كلَّمتِ زيدًا، ومحمَّدٌ مع خالدٍ. لم تَطْلُقْ حتى تُكَلِّمَ زيدًا فى حالٍ يَكونُ [فيه محمّدٌ] (٦٢) مع خالدٍ. وذكر القاضى أنَّه يَحْنَثُ بكلامِ زيدٍ فقط؛ لأنَّ قولَه: محمّدٌ مع خالدٍ اسْتِئْنافُ كلامٍ؛ بدليلِ أنَّه مَرْفوعٌ. والصَّحيحُ ما قُلْنا (٦٣)؛ لأنَّه متى أمْكَنَ جَعْلُ الكلامِ مُتَّصِلًا كان أوْلَى مِن قَطْعِه، والرَّفْعُ لا يَنْفِى كوَنه حالًا، فإنّ الجملةَ مِنَ المبتدإِ والخَبرِ تَكونُ حالًا، كقولِه تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (٦٤). وقال: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (٦٥). {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ


(٥٩) فى أ: "إن".
(٦٠) سقط من: م.
(٦١) فى م: "يحنث".
(٦٢) فى أ: "محمد فيها".
(٦٣) فى م: "قلناه".
(٦٤) سورة الأنبياء ١.
(٦٥) سورة الأنبياء ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>