للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّفَرَ معنًى لو وُجِدَ لَيْلًا واسْتَمَرَّ في النَّهَارِ لأَبَاحَ الفِطْرَ، فإذا وُجِدَ في أثْنَائِه أبَاحَه كالمَرَضِ، ولأنَّه أَحَدُ الأمْرَيْنِ المَنْصُوصِ عليهما في إباحَةِ الفِطْرِ بهما، فأباحَهُ في أثْناءِ النَّهَارِ كالآخَرِ. والرِّوَايَةُ الثانيةُ، لا يُبَاحُ له فِطْرُ (١١) ذلك اليَوْمِ، وهو قولُ مَكْحُولٍ، والزُّهْرِىِّ، ويحيى الأَنْصَارِىِّ، ومَالِكٍ، والأوْزاعِيِّ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَخْتَلِفُ بالسَّفَرِ والحَضَرِ، فإذا اجْتَمَعَا فيها غَلَبَ حُكْمُ الحَضَرِ، كالصلاةِ، والأوَّلُ أَصَحُّ؛ لِلْخَبَرِ، ولأنَّ الصَّوْمَ يُفارِقُ الصلاة فإنَّ الصلاةَ يَلْزَمُ إتْمَامُها بِنِيَّتِه، بخِلافِ الصَّوْمِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه لا يُباحُ له الفِطْرُ حتى يُخَلِّفَ البُيُوتَ وَرَاءَ ظَهْرِه، يَعْنِى أنَّه يُجاوِزُها ويَخْرُجُ من بين بُنْيَانِها. وقال الحسنُ: يُفْطِرُ في بَيْتِه، إن شَاء، يَوْمَ يُرِيدُ أن يَخْرُجَ. وَرُوِىَ نَحْوُه عن عَطاءٍ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: قَوْلُ الحسنِ قَوْلٌ شَاذٌّ، وليس الفِطْرُ لأَحَدٍ في الحَضَرِ في نَظَرٍ ولا أَثَرٍ. وقد رُوِىَ عن الحسنِ خِلافُه. وقد رَوَى مُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ، قال: أَتَيْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ في رمضانَ، وهو يُرِيدُ السَّفَرَ، وقد رُحِّلَتْ له رَاحِلَتُه، ولَبِسَ ثِيابَ السَّفَرِ، فدَعَا بطَعَامٍ فأكَلَ، فَقُلْتُ له: سُنَّةٌ؟ فقال: سُنَّةٌ. ثم رَكِبَ. قال التِّرْمِذِىُّ (١٢): هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. وهذا شاهِدٌ، ولا يُوصَفُ بِكَوْنِه مُسَافِرًا حتى يَخْرُجَ من البَلَدِ، ومَهْمَا كان في البَلَدِ فله أحْكامُ الحاضِرِينَ، ولذلك لا يَقْصُرُ الصلاةَ. فأمَّا أَنَسٌ فيَحْتَمِلُ أنَّه قد كان بَرَزَ من البَلَدِ خَارِجًا منه، فأتَاهَ محمدُ ابنُ كَعْبٍ في مَنْزِلِه ذلك.

فصل: وإن نَوَى المُسافِرُ الصَّوْمَ في سَفَرِهِ، ثم بَدَا له أن يُفْطِرَ، فله ذلك. واخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فيه، فقال مَرَّةً: لا يجوزُ له الفِطْرُ، وقال مَرَّةً أُخْرَى: إن


(١١) في م: "الفطر".
(١٢) في: باب من أكل ثم خرج يريد سفرًا، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى ٤/ ١٢، ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>