للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُرْتَهِنَ، فيكونُ هو المُنْتَفِعَ. والثانى، أنَّ قولَه: "بِنَفَقَتِه" يُشِيرُ إلى أنَّ الانْتِفَاعَ عِوَضُ النَّفَقَةِ، وإنَّما ذلك حَقُّ المُرْتَهِن، أمَّا الرَّاهِنُ فإنْفَاقُه وانْتِفَاعُه لا بِطرِيقِ المُعَاوَضَةِ لأحَدِهِما بالآخَرِ، ولأنَّ نَفَقَةَ الحَيَوانِ وَاجِبَةٌ، ولِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ قد أمْكَنَهُ اسْتِيفَاءُ حَقِّه مِن نَمَاءِ الرَّهْنِ، والنِّيَابَةِ عن المالِكِ فيما وَجَبَ عليه واسْتِيفَاءِ ذلك من مَنَافِعِه، فجازَ ذلك، كما يجوزُ لِلْمَرْأَةِ أَخْذُ مُؤْنَتِها من مَالِ زَوْجِها عند امْتِنَاعِه بغير إذْنِه، والنِّيَابَةُ عنه فى الإِنْفَاقِ عليها، والحَدِيثُ نَقُولُ: والنَّمَاءُ للرَّاهِنِ، ولكنْ لِلْمُرْتَهِنِ وِلَايَةُ صَرْفِها إلى نَفَقَتِه، لِثُبُوتِ يَدِه عليه ووِلايَتِه، وهذا فى مَن أَنْفَقَ مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ، فأمَّا إن أنْفَقَ مُتَبَرِّعًا بغيرِ نِيَّةِ الرُّجُوعِ، لم يَنْتَفِعْ به، رِوَايَةً واحِدَةً.

فصل: وأمَّا غيرُ المَحْلُوبِ والمَرْكُوبِ، فيَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ؛ حَيَوَانٌ، وغيرُه، فأمَّا الحَيَوانُ كالعَبْدِ والأَمَةِ ونحوِهما، فهل لِلْمُرْتَهِنِ أن يُنْفِقَ ويَسْتَخْدِمَهُ بِقَدْرِ نَفَقَتِه؟ ظَاهِرُ المذهبِ أنَّه لا يجوزُ. ذَكَرَها الخِرَقِىُّ، ونَصَّ عليه أحمدُ، فى رِوَايةِ الأَثْرَمِ. قال: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْأَلُ عن الرَّجُلِ يَرْهَنُ العَبْدَ، فَيَسْتَخْدِمُه، فقال: الرَّهْنُ لا يُنْتَفَعُ منه بشىءٍ، إلَّا حَدِيثَ أبى هُرَيْرَةَ خَاصَّةً فى الذى يُرْكَبُ ويُحْلَبُ ويُعْلَفُ. قلت له: فإن كان اللَّبَنُ والرُّكُوبُ أكْثَرَ؟ قال: لا إلَّا بِقَدْرٍ. ونَقَلَ حَنْبَلٌ، عن أحمدَ، أنَّ له اسْتِخْدَامَ العَبْدِ أيضا -وبه قال أبو ثَوْرٍ- إذا امْتَنَعَ المالِكُ منَ الإنْفَاقِ عليه. قال أبو بكرٍ: خَالَفَ حَنْبَلٌ الجَمَاعَةَ، والعَمَلُ على أنَّه لا ينْتَفِعُ من الرَّهْنِ بشىءٍ، إلَّا ما خَصَّهُ الشَّرْعُ به، فإنّ القِيَاسَ يَقْتَضِى أن لا يَنْتَفِعَ بشىءٍ منه، تَرَكْنَاهُ فى المَرْكُوبِ والمَحْلُوبِ لِلأَثَرِ، ففيما عَداهُ يَبْقَى على مُقْتَضَى القِيَاسِ. النَّوْعُ الثانى، غيرُ الحَيَوانِ، كدارٍ اسْتَهْدَمَتْ، فعَمَرَهَا المُرْتَهِنُ، لم يَرْجِعْ بشىءٍ. رِوَايَةً واحِدَةً. وليس له الانْتِفَاعُ بها بِقَدْرِ نَفَقَتِه، فإنَّ عِمَارَتَها غيرُ وَاجِبَةٍ على الرَّاهِنِ، فليس لغيرِه أن يَنُوبَ عنه فيما لا يَلْزَمُه، فإن فَعَلَ كان مُتَبَرِّعًا، بخِلَافِ الحَيَوانِ، فإنه يَجِبُ على مَالِكِه الإنْفَاقُ عليه، لِحُرْمَتِه فى (٨) نَفْسِه.


(٨) فى م: "على".

<<  <  ج: ص:  >  >>