حُرَّةً عندَ نُفُوذِ الوَصِيَّةِ من أصْلِ المالِ. وأمَّا الفاسِقُ، فقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّ الوصيةَ إليه لا تَصِحُّ. وهو قولُ مالكٍ، والشَّافعىِّ. وعن أحمدَ ما يدُلُّ على صحَّةِ الوَصِيَّةِ إليه، فإنَّه قالَ، في روايةِ ابنِ منصورٍ: إذا كانَ مُتَّهمًا، لم تَخْرُجْ من يَدِه. وقال الخرقىُّ: إذا كان الوصىُّ خائنًا ضُمَّ إليه أمينٌ. وهذا يدلُّ على صِحَّةِ الوَصِيَّةِ إليه، ويَضُمُّ الحاكمُ إليه أمِينًا. وقال أبو حنيفةَ: تَصِحُّ الوَصِيَّةُ إليه، ويَنْفُذُ تصَرُّفُه، وعلى الحاكمِ عَزْلُه؛ لأنَّه بالغٌ عاقلٌ، فصحَّتِ الوَصِيَّةُ إليه، كالعَدْلِ، ووَجْهُ الأُولَى أنَّه لا يَجوزُ إفْرادُه بالوَصِيَّةِ، فلم تَجُزِ الوَصِيَّةُ إليه، كالمجنونِ. وعلى أبى حنيفةَ، لا يجوزُ إقْرارُه على الوَصِيَّةِ، فأشْبهَ ما ذكرْنا.
فصل: ويُعْتَبرُ وجودُ هذه الشُّروطِ في الوَصِىِّ حالَ العَقدِ والموتِ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفى الآخَرِ يُعْتَبَرُ حالَ الموتِ حَسْبُ، كالوَصِيَّةِ له. وهو قولُ بعضِ أصْحابِ الشافعىِّ. ولَنا، أنَّها شُروطٌ لعقدٍ، فتُعْتَبَرُ حالَ وُجودِه، كسائِر العُقودِ. فأمَّا الوَصِيةُ له، فهى صحيحةٌ وإن كان وارثًا، وإنَّما يُعْتَبَرُ عَدَمُ الإِرْثِ، وخروجُها من الثُّلُثِ للنُّفوذِ واللُّزومِ، فاعْتُبِرتْ حالةَ اللُّزُومِ، بخلافِ مَسْألتِنا، فإنَّها شُروطٌ لِصحَّةِ العَقْدِ، فاعْتُبِرَتْ حالةَ العَقْدِ، ولا يَنْفَعُ وجودُها بعدَه. وعلى الوَجْهِ الثاني، لو كانتِ الشُّروطُ كلُّها مُنْتَفِيَةً، أو بعضُها حالَ العقدِ، ثم وُجِدَتْ حالةَ الموتِ. لَصَحَّتِ الوَصِيَّةُ إليه.
فصل: وإذا قالَ: أوْصَيْتُ إلى زيدٍ، فإن ماتَ فقد أوْصَيْتُ إلى عمرٍو. صحَّ ذلك، روايةً واحدةً، ويكونُ كلُّ واحدٍ منهما وَصِيًّا، إلَّا أن عَمْرًا وَصىٌّ بعدَ زيدٍ؛ لأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في جيشِ مُؤْتَة:"أَمِيرُكُمْ زَيدٌ، فإنْ قُتِلَ فَأمِيرُكُمْ جَعْفَرٌ، فَإنْ قُتِلَ فَأَمِيرُكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ"(١٣). والوَصِيَّةُ في معنى التَّأْمِيرِ. وإن قالَ:
(١٣) أخرجه البخاري، في: باب غزوة مؤتة من أرض الشام، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٨١، ١٨٢. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٠٤، ٢٥٦، ٥/ ٢٩٩.