للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى اللَّه عليه وسلم- أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ولِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ (٢١). مُتَّفَقٌ عليه (٢٢). وتَأوَّلَ القاضي هذا على أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى بهم كصلاةِ الحَضَرِ، وأنَّ كلَّ طَائِفَةٍ قَضَتْ رَكْعَتَيْنِ. وهذا ظَاهِرُ الفَسَادِ جِدًّا؛ لأنَّه يُخَالِفُ صِفَةَ الرِّوَايَةِ، وقولَ أحمدَ، ويَحْمِلُه على مَحْمَلٍ فَاسِدٍ. أما الرِّوايَةُ فإنَّه ذَكَرَ أنَّه صَلَّى بكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ولم يَذْكُرْ قَضَاءً، ثم قال في آخِرِها (٢٣): ولِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. وأما قَوْلُ أحمدَ، فإنَّه قال: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أو سَبْعَةٌ، يُرْوَى فيها، كُلُّها جَائِزٌ. وعلى هذا التَّأْوِيلِ لا تكونُ سِتَّةً ولا خَمْسَةً. ولأنَّه قال: كلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى في أبْوَابِ صلاةِ الخَوْفِ فهو جائِزٌ. وهذا مُخَالِفٌ لهذا التَّأْوِيلِ. وأمَّا فَسَادُ المَحْمَلِ، فإنَّ الخَوْفَ يَقْتَضِى تَخْفِيفَ الصلاةِ وقَصْرَها، كما قال اللهُ تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (٢٤). وعلى هذا التَّأْوِيلِ يَجْعَلُ مَكانَ الرَّكْعَتَيْنِ أرْبَعًا. ويُتِمُّ الصلاةَ المَقْصُورَةَ، ولم يُنْقَلْ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه أتَمَّ صلاةَ السَّفَرِ، فكيف يُحْمَلُ ها هُنا على أنَّه أَتَمَّها، في مَوْضِعٍ وُجِدَ فيه ما يَقْتَضِى التَّخْفِيفَ.

فصل: الوَجْهُ السَّادِسُ، أن يُصَلِّىَ بكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، ولا تَقْضِى شيئا؛ لما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، قال: صَلَّى رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِذِى قَرَدٍ (٢٥) صلاةَ الخَوْفِ، والمُشْرِكُونَ بينه وبين القِبْلَةِ، فصَفَّ صَفًّا خَلْفَه، وصَفًّا مُوَازِىَ العَدُوِّ، فصَلَّى بهم رَكْعَةً، ثم ذَهَبَ هؤلاء إلى مَصَافِّ هؤلاءِ، ورَجَعَ هؤلاءِ إلى مَصَافِّ هؤلاءِ، فَصَلَّى بهم رَكْعَةً، ثم سَلَّمَ عليهم، فكانت لِرسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَكْعَتَانِ، وكانتْ لهم


(٢١) سقط من: الأصل.
(٢٢) أخرجه البخاري، في: باب غزوة ذات الرقاع، من كتاب المغازى. صحيح البخاري ٥/ ١٤٦، ١٤٧. ومسلم، في: باب صلاة الخوف، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٥٧٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٦٤.
(٢٣) في الأصل: "آخره".
(٢٤) سورة النساء: ١٠١.
(٢٥) ذو قرد: ماء على ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- انتهى إليه، لما خرج في طلب عيينة حين أغار على لقاحه. معجم البلدان ٤/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>