للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسْبَه، ولا يَتْبَعُ المُكاتبةَ ولَدُها؛ لأنَّ العِتْقَ حَصَلَ بالصِّفَةِ، لا بالكِتابةِ. فأمَّا الكِتابةُ بمُحَرَّمٍ، كالخمرِ، والخِنْزِيرِ، فقال القاضى: هى كِتابةٌ فاسدةٌ، حُكْمُها حكمُ ما ذكرْنا، ويَعْتِقُ فيها بالأداءِ. وقال أبو بكرٍ: لا يَعْتِقُ فيها بالأداءِ. وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ، فى روَايةِ المَيْمُونِىِّ، إذا كاتَبَه كِتابةً فاسِدَةً، فأدَّى ما كُوتِبَ عليه، عَتَقَ ما لم تكُنِ الكتابةُ مُحَرَّمةً. ويَنْبَغِى أن يُقالَ: إن عَلَّقَ العِتْقَ على أداءِ المُحَرمِ، عَتَقَ به، كما لو عَلَّقَ العِتْقَ على السَّرِقةِ وشُرْبِ الخَمْرِ. وإن قال: كاتَبْتُكَ على خَمْرٍ. لم يَعْتِقْ بأدائِه، كقولِ أبى بكرٍ. واللَّهُ أعلمُ.

فصل: وإذا قال لعبدِه: أنتَ حُرٌّ، وعليك ألْفٌ. عَتَقَ، ولا شىءَ عليه؛ لأَنَّه أعْتَقَه بغيرِ شَرْطٍ (٥٢) وجَعَلَ عليه عِوَضًا لم يَقْبَلْه، فيَعْتِقُ (٥٣) ولم يَلزَمْه الألْفُ. هكذا ذكَر المتأخِّرُونَ من أصْحابِنا. ونَقَلَ جعفرُ بن محمدٍ، قال: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه، قيل له: إذا قال: أنتَ حُرٌّ، وعليك ألْفُ دِرْهمٍ. قال: جَيِّدٌ. قيل له: فإن لم يَرْضَ العبدُ؟ قال: لا يَعْتِقُ، إنَّما قالَه (٥٤) له على أن يُؤدِّىَ إليه ألْفَ دِرْهمٍ، فإنْ لم يُؤَدِّ، فلا شىءَ. وإِنْ قال: أنتَ حُرٌّ على ألْفٍ. فكذلك. فى (٥٥) إحْدَى الرِّوايتَيْنِ؛ لأنَّ "على" ليستْ مِن أدَواتِ الشَّرْطِ ولا البَدَلِ، فأشْبَهَ قولَه: وعليكَ ألْفٌ. والثانية، إن قَبِلَ العبدُ، عَتَقَ، ولَزِمَتْه الألفُ، وإن لم يقْبَلْ، لم يَعْتِقْ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأبى حنيفةَ؛ لأَنَّه أعْتَقَه بعِوَضٍ، فلم يَعْتِقْ بُدونِ قبولِه، كما لو قال: أنتَ حرٌّ بألْفٍ. وهذه الرِّوايةُ أصَحُّ؛ لأنَّ "على" تُسْتَعْمَلُ للشَّرْطِ والعِوَضِ، قال اللَّه تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (٥٦). وقال تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (٥٧). ولو قال فى النِّكاحِ: زَوَّجْتُك ابْنَتِى فُلانةَ، على صَدَاقِ خمسِمائةِ


(٥٢) فى ب: "شرطه".
(٥٣) فى أ، ب: "فعتق".
(٥٤) فى أ، ب: "قال".
(٥٥) فى الأصل: "على".
(٥٦) سورة الكهف ٦٦.
(٥٧) سورة الكهف ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>