للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ} (٤). ولأنَّ دَمَ الجانِى مَعْصُومٌ إلَّا في قَدْرِ جِنايَتِه، فما زاد عليها يَبْقَى على العِصْمةِ، فيَحْرُمُ استِيفاؤُه بعدَ الجِنايةِ، كتَحْرِيمه قبلَها، ومن ضَرُورَةِ المَنْعِ من الزِّيادةِ المَنْعُ من القِصاصِ؛ لأنَّها من لَوازِمه، فلا يُمْكِنُ المَنْعُ منها إلَّا بالمَنْعِ منه. وهذا لا خِلافَ فيه نَعْلَمُه. وممَّن مَنَعَ القِصاصَ فيما دُونَ المُوضِحَةِ الحسنُ، والشافعيُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. ومَنَعَه في العظامِ عمرُ بن عبد العزيزِ، وعَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، والحَكَمُ، وابنُ شُبْرُمَةَ، والثَّوْرِىُّ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. إِذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الجُرْحَ الذي يُمْكِنُ اسْتِيفاؤُه من غيرِ زِيادةٍ، هو كلُّ جُرْحٍ يَنْتَهِى إلى عَظْمٍ، كالمُوضِحَةِ في الرَّأْسِ والوَجْهِ، ولا نعلمُ في جَوازِ القِصَاصِ في المُوضِحَةِ خِلافًا، وهى كلُّ جُرحٍ يَنْتَهِى إلى العَظْمِ في الرَّأْسِ والوَجْهِ؛ وذلك لأنَّ اللَّه تعالى [نَصَّ على] (٥) القِصاصِ في الجُرُوحِ، فلو لم يَجِبْ ههُنا، لَسَقَطَ حكمُ الآية، وفي معنى المُوضِحَةِ كلُّ جُرْحٍ يَنْتَهِى إلى عَظْمٍ فيما سِوَى الرَّأْسِ والوَجْهِ، كالسَّاعِدِ، والعَضُدِ، والسَّاقِ، والفَخِذِ، في قولِ أكثر أهلِ العلمِ. وهو مَنْصُوصُ الشافعىِّ. وقال بعضُ أصحابِه: لا قِصاصَ فيها؛ لأنَّه لا مُقَدَّرَ (٦) فيها. وليس بصَحِيحٍ، لقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}. ولأنَّه أمْكَنَ اسْتِيفاؤُها بغيرِ حَيْفٍ ولا زيادةٍ، لِانْتِهائِها إلى عَظْمٍ، فهى كالمُوضِحَةِ، والتَّقْدِيرُ في المُوضِحَةِ ليس هو المُقْتَضِى للقِصاصِ، ولا عَدَمُه مانعًا، وإنَّما كان التَّقْدِيرُ في المُوضِحَةِ لِكثرةِ شَيْنِها، وشَرَفِ مَحَلِّها، ولهذا (٧) قُدِّرَ ما فَوْقَها من شِجَاجِ الرَّأْسِ والوَجْهِ، ولا قِصاصَ فيه، وكذلك الجائِفةُ أَرْشُها مُقَدّرٌ، ولا (٨) قِصاصَ فيها (٩).

فصل: ولا يُسْتَوْفَى القِصاصُ فيما دُونَ النَّفْسِ بالسَّيْفِ، ولا بآلَةٍ يُخْشَى منها


(٤) سورة البقرة ١٩٤.
(٥) في م: "أوجب".
(٦) في م: "يقدر".
(٧) في ب، م زيادة: "ما".
(٨) في م: "لا".
(٩) في م: "فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>