للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفِعْلِ، ويكونُ الضَّمانُ في مالِهِما، لا تَحْمِلُه عاقِلَتُهما؛ لأنَّها لا تَحْمِلُ اعْتِرافًا، وهذا ثَبَتَ (٦٨) باعْتِرافِهِما. وقد رُوِى عن عليٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ شاهِدَيْنِ شَهِدَا عندَه على رَجُلٍ بالسَّرِقةِ، فقَطَعَه، ثم أتَيا بآخَرَ، فقالا: يا أميرَ المؤمنين، ليس ذاك السَّارِقَ، إنَّما هذا هو السارقُ، فأَغْرَمَهُما دِيَةَ الأوَّلِ، وقال: لو عَلِمْتُ أنَّكما تَعَمَّدْتُما لقَطَعْتُكما. ولم يَقْبَلْ قَوْلَهما في الثاني (٦٩). وإن أكْرَه رجُلٌ رَجُلًا على قَتْلِ إنْسانٍ، فقَتَله، فصار الأمرُ إلى الدِّيَةِ، فهى عليهما؛ لأنَّهما كالشَّرِيكينِ، ولهذا وجَبَ القِصاصُ عليهما، رلو أكْرَه رجُلٌ امرأةً فزَنَى بها، فحَمَلَتْ فماتَتْ (٧٠) من الولادةِ، ضَمِنَها؛ لأنَّها ماتَتْ بسَبَبِ فِعْلِه، وتَحْمِلُها العاقلةُ، إلَّا أن لا يَثْبُتَ ذلك إلَّا باعْتِرافِه، فتكونَ الدِّيَةُ عليه؛ لأنَّ العاقلةَ لا تَحْمِلُ اعْتِرافًا.

فصل: إذا بَعَثَ السُّلطانُ إلى امرأةٍ ليُحْضِرَها، فأسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، ضَمِنَه بغُرَّةٍ (٧١)؛ لما رُوِىَ أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، بَعَثَ إلى امرأةٍ مَغِيبَةٍ، كان يُدْخَلُ عليها، فقالت: يا وَيْلَها، مالَها ولعمرَ. فبَيْنَا هي في الطريقِ إذ فَزِعَتْ، فضَرَبها الطَّلْقُ، فألْقَتْ ولَدًا، فصاح الصَّبِىُّ صَيْحَتَيْنِ، ثم مات، فاسْتشارَ عمرُ أصْحابَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأشَارَ بعضُهم أن ليس عليك شيءٌ، إنَّما أنْتَ والٍ ومُؤَدِّبٌ. وصَمَتَ علىٌّ، فأقْبَلَ عليه عمرُ، فقال: ما تقولُ يا أبا الحَسَنِ؟ فقال: إن كانوا قالوا برَأْيِهِم فقد أخْطَأَ رَأْيُهم، وإن كانوا قالوا في هَواكَ فلم يَنْصَحُوا لك، إنَّ دِيَتَه عليك؛ لأنَّك أفْزَعْتَها فألْقَتْه. فقال عمرُ: أقْسَمْتُ عليك أن لا تَبْرَحَ حتى تقْسِمَها على قَوْمِكَ (٧٢). ولو فُزِّعَتِ المرأةُ فماتَتْ، لوَجَبَتْ دِيَتُها أيضًا. ووافَقَ الشافعيُّ في ضَمانِ الْجَنِينِ، وقال:


(٦٨) في ب، م: "يثبت".
(٦٩) تقدم تخريجه في: ١١/ ٤٥٦.
(٧٠) في الأصل: "وماتت".
(٧١) سقط من: ب، م.
(٧٢) تقدم تخريجه، في صفحة ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>