فصل: فإن لم يَجِدْ مالًا يَسْتَنِيبُ به، فلا حَجَّ عليه. بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّ الصَّحِيحَ لو لم يَجِدْ ما يَحُجُّ به، لم يَجِبْ عليه، فالمَرِيضُ أوْلَى. وإن وَجَدَ مَالًا، ولم يَجِدْ مَن يَنُوبُ عنه، فقِياسُ المَذْهَبِ أنَّه يَنْبَنِى على الرِّوَايَتَيْنِ فى إمْكَانِ المَسِيرِ، هل هو من شَرائِطِ الوُجُوبِ، أو من شَرَائِط لُزُومِ السَّعْىِ؟ فإن قُلْنا: من شَرائِط لُزُومِ السَّعْىِ. ثَبَتَ الحَجُّ فى ذِمَّتِه، هذا يُحَجُّ عنه بعد مَوْتِه. وإن قُلْنا: من شَرائِطِ الوُجُوبِ لم يَجِبْ عليه شَىءٌ.
فصل: ومَتَى أحَجَّ هذا عن نَفْسِه، ثم عُوفِى، لم يَجِبْ عليه حَجٌّ آخَرُ. وهذا قَوْلُ إسحاقَ. وقال الشَّافِعِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ: يَلْزَمُه؛ لأنَّ هذا بَدَلُ إياسٍ، فإذا بَرَأ، تَبَيَّنَّا أنَّه لم يَكُنْ مَأْيُوسًا منه، فلَزِمَهُ الأصْلُ، كالآيِسَةِ إذا اعْتَدَّتْ بالشُّهُورِ، ثم حاضَتْ، لا تُجْزِئُها تلك العِدَّةُ. ولَنا، أنَّه أتَى بما أُمِرَ به، فخَرَجَ من العُهْدَةِ، كما لو لم يَبْرَأْ، أو نقول: أَدَّى حَجَّةَ الإِسْلَامِ بأمْرِ الشَّارِعِ، فلم يَلْزَمْه حَجٌّ ثَانٍ، كما لو حَجَّ بِنَفْسِه، ولأنَّ هذا يُفْضِى إلى إيجابِ حَجَّتَيْنِ عليه، ولم يُوجِب اللهُ عليه إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً. وقَوْلُهم: لم يكنْ مَأْيُوسًا من بُرْئِه. قُلْنَا: لو لم يكنْ مَأْيُوسًا منه، لَما أُبِيحَ له أن يَسْتَنِيبَ، فإنَّه شَرْطٌ لِجَوَازِ الاسْتِنَابَةِ. أمَّا الآيِسَةُ إذا اعْتَدَّتْ بالشُّهُورِ، فلا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ حَيْضِها، فإن رَأتْ دَمًا، فليس بِحَيْضٍ، ولا يَبْطُلُ به اعْتِدادُها، ولكن مَن ارْتَفَعَ حَيْضُها لا تَدْرِى ما رَفَعَه، إذا اعْتَدَّتْ سَنَةً، ثم عادَ حَيْضُها، لم يَبْطُل اعْتِدادُها. فأمَّا إنْ عُوفِىَ قبلَ فَراغِ النَّائِبِ من الحَجِّ، فيَنْبَغِى أن لا يُجْزِئَهُ الحَجُّ؛ لأنَّه قَدَرَ على الأصْلِ قبلَ تَمَامِ البَدَلِ، فلَزِمَه، كالصَّغِيرَةِ ومَن ارْتَفَعَ حَيْضُها، إذا حاضَتَا قبلَ إتْمَامِ عِدَّتِهِما بالشُّهُورِ، وكالمُتَيَمِّمِ إذا رَأى الماءَ فى صَلاتِه. ويَحْتَمِلُ أن يُجْزِئَه، كالمُتَمَتِّعِ إذا شَرَعَ فى الصِّيامِ ثم قَدَرَ على الهَدْىِ، والمُكَفِّرِ إذا قَدَرَ على الأصْلِ بعد الشُّرُوعِ فى البَدَلِ. وإن بَرَأ قبل إحْرَامِ النّائِبِ، لم يُجْزِئْهُ بحَالٍ.