للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُ الصَّحابَةِ رَضِىَ اللهُ عنهم، ولم نَعْلَمْ لهم مُخالِفًا فى عَصْرِهم، ولأنَّه يَشْتَمِلُ على كَلامِ اللهِ تعالى، فتَجِبُ صِيَانَتُهُ عن البَيْعِ والابْتِذالِ، وأمَّا الشِّراءُ فَهُوَ أسْهَلُ؛ لأنَّه اسْتِنْقاذٌ لِلْمُصْحَفِ، وبَذْلٌ لِمالِهِ فيه، فجازَ، كما أجازَ شِراءَ رِباعِ مَكَّةَ، واسْتِئْجارَ دُورِها، مَنْ لا يَرَى بَيْعَها، ولا أخذَ أُجْرَتِها. وكذلك أرْضُ السَّوادِ ونحوُها. وكذلك دَفْعُ الأُجْرَةِ إلى الحَجَّامِ، لا يُكْرَهُ، مع كَراهَةِ كَسْبِه. وإن اشْتَرَى الكافِرُ مُصْحَفًا، فالبَيْعُ باطِلٌ. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأجازَهُ أصْحابُ الرَّأْىِ، وقالوا: يُجْبَرُ على بَيْعِه؛ لأنَّه أهْلٌ لِلشِّراءِ، والمُصْحَفُ مَحَلٌّ له. ولَنا، أنَّه يُمْنَعُ من اسْتِدامَةِ المِلْكِ عليه، فَمُنِعَ من ابْتِدائِه، كسائِرِ ما يَحْرُمُ بَيْعُه، وقل نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ المُسافَرَةِ بالقُرْآنِ إلى أرْضِ العَدُوِّ، مَخافَةَ أن تَنَالَهُ أيْدِيهم (٣٠). فلَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُم من التَّوَصُّلِ إلى نَيْلِ أيْدِيهم إيَّاهُ.

فصل: ولا يَصِحُّ شِراءُ الكافِرِ مُسْلِمًا. وهذا قولُ مالِكٍ فى إحْدى الرِّوَايَتَيْنِ عنه، والشَّافِعِىُّ فى أحَدِ القَوْلَيْنِ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ ويُجْبَرُ على إزالَةِ مِلْكِه؛ لأنَّه يَمْلِكُ المُسْلِمَ بالإرْثِ، ويَبْقَى مِلْكُه عليه إذا أسْلَمَ فى يَدِه، فصَحَّ شِراؤُه له، كالمُسْلِمِ. ولَنا، أنَّه يُمْنَعُ اسْتِدامَةَ مِلْكِه عليه، فمُنِعَ ابْتِداءَه، كالنِّكاحِ، ولأنَّه عَقْدٌ يُثْبِتُ المِلْكَ على المُسْلِمِ لِلْكافِرِ، فلم يَصِحّ، كالنِّكاحِ، والمِلْكِ بالإرْثِ. والاسْتِدامَةُ أقْوَى من ابْتِداءِ المِلْكِ بالفِعْلِ والاخْتِيارِ، بدَلِيلِ ثُبُوتِه بهما لِلْمُحْرِمِ فى الصَّيْدِ، مع مَنْعِه من ابْتِدائِه، فلا يَلْزَمُ من ثُبُوتِ الأَقْوَى ثُبُوتُ ما دُونَه، مع أنَّنا نَقْطَعُ الاسْتِدامَةَ عليه بِمَنْعِه منها، وإجْبارِه على إزالَتِها.

فصل: ولو وَكَّل كافِرٌ مُسْلِمًا فى شِراءِ مُسْلِمٍ، لم يَصحَّ الشِّراءُ، لأنَّ المِلْكَ


(٣٠) تقدم تخريجه فى ١/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>