للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْجِعُ فيها إذا لم يَرْضَ منها. رَوَاه مالِكٌ، في "المُوَطَّإِ" (٢٦). ولأنَّها هِبَةٌ يَحْصُلُ بها الأجْرُ من اللهِ تعالى، فلم يَجُزِ الرُّجُوعُ فيها، كصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِبَشِيرِ بن سَعْدٍ: "فَارْدُدْهُ". ورُوِى: "فأرْجِعْهُ". رَوَاه كذلك مالِكٌ عن الزُّهْرِيِّ، عن حُمَيْدِ بن عبد الرَّحْمنِ، عن النُّعْمانِ. فأمَرَه بالرُّجُوعِ في هِبَتِه، وأقَلُّ أحْوالِ الأمْرِ الجَوَازُ، وقد امتَثَلَ بَشِيرُ بن سَعْدٍ ذلك (٢٧)، فرَجَعَ في هِبَتِه لِوَلَدِه، ألا تَرَاهُ قال في الحَدِيثِ: فرَجَعَ أبِى، فرَدَّ تلك الصَّدَقَة. وحَمْلُ الحَدِيثِ على أنَّه لم يكُنْ أعْطاهُ شيئا، يُخَالِفُ ظاهِرَ الحَدِيثِ؛ لقولِه: تَصَدَّقَ علىَّ أبِى بِصَدَقَةٍ. وقولُ بَشِيرٍ: إنِّي نَحَلْتُ ابْنِى غُلَامًا. يَدُلُّ على أنَّه كان قد أعْطاهُ. وقول النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَارْدُدْهُ". وقوله: "فأرْجِعْهُ". ورَوَى طاوُسٌ، عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعانِ الحَدِيثَ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لَيْسَ لأَحَدٍ أنْ يُعْطِىَ عَطِيَّةً، فيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِى وَلَدَهُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (٢٨). وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وهذا يَخُصُّ عُمُومَ ما رَوَوْهُ (٢٩) ويُفَسِّرُه. وقِيَاسُهم مَنْقُوضٌ بِهِبَةِ الأجْنَبِيِّ؛ فإنَّ فيها أجْرًا وثَوَابًا فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَدَبَ إليها. وعندَهم له الرُّجُوعُ فيها، والصَّدَقَةُ على الوَلَدِ (٣٠) كمَسْأَلَتِنا، وقد دَلَّ حَدِيثُ النُّعْمانِ بن بَشِيرٍ على الرُّجُوعِ في الصَّدَقَةِ؛ لقولِه: تَصَدَّقَ علىَّ أبى بِصَدَقَةٍ.

فصل: وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّ الأُمَّ كالأَبِ، في الرُّجُوعِ في الهِبَةِ؛ لأنَّ


(٢٦) في: باب القضاء في الهبة، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٥٤.
(٢٧) في م: "في ذلك".
(٢٨) في: باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة، من أبواب الهبة، عارضة الأحوذى ٨/ ٢٩٤.
كما أخرجه أبو داود، في: باب الرجوع في الهبة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦١. وابن ماجه، في: باب من أعطى ولده ثم رجع فيه، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٥. والإِمام أحمد، في المسند ٢/ ٧٨.
(٢٩) في م: "رواه".
(٣٠) في م: "الوالد".

<<  <  ج: ص:  >  >>