للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُرْوَةَ بن الجَعْدِ، أنَّه باعَ ما لم يُؤْذَنْ له في بَيْعِه، فأقَرَّهُ عليه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ودَعَا له (١)، ولأنَّه تَصَرَّفَ له بِخَيْرٍ، فصَحَّ، ووَقَفَ على الإِجازَةِ، كالوَصِيَّةِ بالزَّائِدِ على الثُّلُثِ. ووَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى، أنَّه عَقَدَ على مالِ مَنْ لم يَأْذَنْ له في العَقْدِ، فلم يَصِحَّ، كما لو باعَ مالَ الصَّبِىِّ المُرَاهِقِ، ثم بَلَغ، فأجَازَهُ، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِحَكِيمِ بن حِزَامٍ: "لَا تَبِعْ ما لَيْسَ عِنْدَكَ" (١). يَعْنِى ما لا (٢) تَمْلِكُ. وأمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ فإنَّه يَحْتَمِلُ أنَّه كان وَكِيلًا مُطْلَقًا، بِدَلِيلِ أنَّه باعَ وسَلَّمَ المَبِيعَ وأخَذَ ثَمَنَهُ، وليس ذلك جائِزًا لمن لم يُؤْذَنْ له فيه اتِّفاقًا. ومتى حَكَمْنا بِبُطْلَانِ البَيْعِ، فاعْتَرَفَ له العاقِدُ معه بِبُطْلَانِ البَيْعِ، أو ثَبَتَ ذلك بِبَيِّنةٍ، فعليه رَدُّ ما أخَذَهُ، وإن لم يَعْتَرِفْ بذلك، ولا قامَتْ به بَيِّنَةٌ، حَلَفَ العاقِدُ، ولم يَلْزَمْهُ رَدُّ شيءٍ؛ لأنَّ الأَصْلَ أن [تَصَرُّفَ الإِنْسانِ] (٣) لِنَفْسِه، فلا يَصْدُقُ على غيره فيما يُبْطِلُ عَقْدَه. وإن ادَّعَى البائِعُ أنَّه بَاعَ مالَ غيرِه بغير إِذْنِه، فالقولُ قولُ المُشْتَرِى؛ لما ذَكَرْنَاهُ. ولو قال المُشْتَرِى: إنَّك بِعْتَ مالَ غيرِكَ بغيرِ إِذْنِه، فأنْكَرَ البائِعُ ذلك. وقال: بل بِعْتُ مِلْكِى. أو [قال: بِعْتُ] (٤) مالَ مُوَكِّلِى بإِذْنِه. فالقولُ قولُه أيضًا. وإن اتَّفَقَ البائِعُ والمُشْتَرِى على ما يُبْطِلُ البَيْعَ، وقال المُوَكِّلُ: بل البَيْعُ صَحِيحٌ. فالقولُ قولُه مع يَمِينِه، ولا يَلْزَمُه رَدُّ ما أخَذَه من العِوَضِ.

فصل: وإن وَكَّلَهُ في أن يَتَزَوَّجَ له امْرَأةً، فتَزَوَّجَ له غيرَها، أو تَزَوَّجَ له بغير إِذْنِه، فالعَقْدُ فاسِدٌ بكلِّ حالٍ، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وهو مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ من شَرْطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ ذِكْرَ الزَّوْجِ، فإذا كان بغيرِ إِذْنِه، لم يَقَعْ له ولا لِلْوَكِيلِ؛ لأنَّ المَقْصُودَ أَعْيَانُ الزَّوْجَيْنِ، بخِلَافِ البَيْعِ، فإنَّه يجوزُ أن يَشْتَرِىَ له من غيرِ تَسْمِيَةِ المُشْتَرَى له، فَافْتَرَقَا. والرِّواية الثانية، يَصِحُّ النِّكَاحُ، ويَقِفُ على إِجَازَةِ المُتَزَوَّجِ له، فإن أجَازَهُ


(١) تقدم تخريجه في: ٦/ ٢٩٥.
(٢) في م: "لم".
(٣) في ب: "تصرفه".
(٤) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>