للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٤ - مسألة؛ قال: (إذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وطَلَبَ الماءَ فَأَعْوَزَهُ)

هذه ثلاثةُ شُرُوطٍ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ:

أحدُها؛ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ. فإنْ كانتِ الصلاةُ مَكْتُوبَةً مُؤَدَّاةً لم يَجُزِ التَّيَمُّمُ قَبْلَ دخولِ وَقْتِها. وإنْ كانت نافِلَةً لم يَجُزِ التَّيَمُّمُ لها في وَقْتٍ نُهِىَ عن فِعْلِها فيه؛ لأَنَّه ليس بِوَقْتٍ لها. وإن كانَتْ فائِتَةً جَازَ التَّيَمُّمُ له في كُلِّ وَقْتٍ؛ لأنَّ فِعْلَها جائِزٌ في كُلِّ وَقْتٍ. وبهذا قال مالِك، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفة: يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قبلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ لأنَّها طَهَارَةٌ تُبِيحُ الصَّلَاةَ، فأُبِيحَ تَقْدِيمُها عَلى وَقتِ الصَّلَاةِ، كسَائِرِ الطَّهَارَاتِ. ورُوِىَ عن أحمد، أنَّه قال: القِيَاسُ أنَّ التَّيَمُّمَ بمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ حتى يَجِدَ الماءَ، أوْ يُحْدِثَ. فعلى هذا يَجُوزُ قبلَ الوَقْتِ. والمَذْهَبُ الأَوَّلُ؛ لأنَّه طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، فلم يَجُزْ قَبْلَ الوَقْتِ كطهارِة المُسْتَحَاضَةِ، أو نقولُ: يَتَيَمَّمُّ لِلْفَرْضِ في وَقْتٍ هو مُسْتَغْنٍ عنه، فأَشْبَهَ ما لو تَيَمَّمَ عندَ وُجُودِ الماءِ. وقِياسُهم يَنْتَقِضُ بِطهَارَةِ المُسْتَحَاضَةِ، ويُفَارِقُ التَّيَمُّمُ سائِرَ الطَّهَارَاتِ؛ لِكَوْنِها ليست لِضَرُورَةٍ.

الشَّرْطُ الثانِى؛ طَلَبُ الماءِ. وهذا الشَّرْطُ وإعْوَازُ الماءِ إنَّما يُشْتَرَطُ لِمن يَتَيَمَّمُ لِعُذْرِ عَدَمِ الماءِ. والمشهورُ عَن أحمدَ اشْتِرَاطُ طَلَبِ الماءِ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ. ورُوِىَ عن أحمد: لا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ. وهو مذهبُ أبى حنيفة؛ لِقَوْلِهِ عليه السَّلَامُ: "التُّرَابُ كَافِيكَ مَا لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ (١) ". ولأنَّه غَيْرُ عَالِمٍ بِوُجُودِ الماءِ قَرِيبًا منه، فأشْبَهَ ما لو طَلَبَ فلم يَجدْ. ولنَا، قولُه تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، ولا يَثْبُتُ أنَّه غَيْرُ وَاجِدٍ إلَّا بعدَ الطَّلَبِ؛ لِجَوَازِ أنْ يكونَ بِقُرْبِهِ ماءٌ لا يَعْلَمُهُ، ولذلك لَمَّا أَمَرَ في الظِّهَارِ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (٢)، لم يُبِحْ له الصِّيَامَ حتى يَطْلُبَ الرَّقَبَةَ، ولم يُعَدَّ قبلَ ذلك غير


(١) تقدم الحديث في صفحة ٢١.
(٢) سورة المجادلة ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>