للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الرِّجالُ والنِّساءُ. وعن ابنِ سِيرِينَ، قال: كان أبو بكرٍ وعمرُ، والخُلَفاءُ يَتَوَضَّأُونَ فى المسجدِ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وعَطاءٍ، وطَاوُسٍ، وابنِ جُرَيْجٍ. والأُخْرَى، يُكْرَهُ؛ لأنَّه لا يَسْلَمُ مِن أن يَبْصُقَ فى المسجدِ أو يَتَمَخَّطَ، والبُصاقُ فى المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، ويَبُلُّ من المسجدِ مَكانًا يَمْنَعُ المُصَلِّينَ من الصلاةِ فيه. وإن خَرَجَ عن (٣) المسجدِ لِلْوضوءِ، وكان تَجْدِيدًا، بَطَلَ؛ لأنَّه خُرُوجٌ لما له منه بُدٌّ، وإن كان وضوءًا مِن حَدَثٍ، لم يَبْطُلْ؛ لأنَّ الحاجَةَ دَاعِيَةٌ إليه، سَوَاءٌ كان فى وَقتِ الصلاةِ أو قبلَها؛ لأنَّه لا بُدَّ من الوضوءِ لِلْمُحْدِثِ، وإنَّما يَتَقَدَّمُ عن وَقْتِ الحاجَةِ إليه لِمَصْلَحَةٍ، وهو كَوْنُه على وضوءٍ، وَرُبَّما يَحْتاجُ إلى صلاةِ النَّافِلَةِ به.

فصل: إذا أرادَ أن يَبُولَ فى المسجدِ فى طَسْتٍ، لم يُبَحْ له ذلك؛ لأنَّ المَساجِدَ لم تُبْنَ لهذا، وهو ممَّا يَقْبُحُ ويَفْحُشُ ويُسْتَخْفَى به، فوَجَبَ صِيانَةُ المسجِدِ عنه، كما لو أرادَ أن يَبُولَ فى أرْضِه ثمَّ يَغْسِلَه، وإن أرَادَ الفَصْدَ أو الحِجَامةَ فيه، فكذلك. ذَكَرَهُ القاضى؛ لأنَّه إراقَةُ نَجاسَةٍ فى المسجدِ، فأشْبَهَ البَوْلَ فيه. وإن دَعَتْ إليه حَاجَةٌ كَبِيرَةٌ، خَرَجَ من المسجدِ ففَعَلَهُ، وإن اسْتَغْنَى عنه لم يَكُنْ له الخُرُوجُ إليه، كالمَرَضِ الذى يُمْكِنُ احْتِمَالُه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أنْ يجوزَ الفَصْدُ فى المسجدِ فى طَسْتٍ، بِدَلِيلِ أنَّ المُسْتَحَاضَةَ يجوزُ لها الاعْتِكافُ، ويكونُ تَحْتَها شىءٌ يَقَعُ فيه الدَّمُ، قالت عائشةُ: اعْتَكَفَتْ مع رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ من أَزْوَاجه مُسْتَحَاضَةٌ، فكانت تَرَى الحُمْرَةَ والصُّفْرَةَ، وربَّما وَضَعَتِ الطَّسْتَ تحتَها وهى تُصَلِّى. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (٤). والفَرْقُ بينهما أنَّ المُسْتَحاضَةَ لا يُمْكِنُها التَّحَرُّزُ من ذلك، إلَّا بِتَرْكِ الاعْتِكافِ، بِخلافِ الفَصْدِ.


(٣) فى م: "من".
(٤) تقدَّم تخريجه فى ١/ ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>