للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل ما حَلَفَ عليه. وإن حَلَفَ ليَضْرِبَنَّه عشرَ مَرَّاتٍ، لم يَبَرَّ بضَرْبِه بعشرةِ أسْواطٍ، دَفْعَةً واحِدَة، بغير خلافٍ؛ لأنَّه لم يَفْعَلْ ما تناوَلَتْه يَمِينُه. وإِنْ حَلَفَ ليَضْرِبَنَّه عشرَ ضَرَباتٍ، فكذلك، إِلَّا وَجْهًا لأَصْحابِ الشافِعِىِّ، أنَّه يَبَرُّ. وليس بصَحِيحٍ؛ لأَنَّ هذه ضَرْبَةٌ واحِدَةٌ بأسْواطٍ، ولهذا يصِحُّ أَنْ يُقالَ: ما ضَرَبْتُه إِلَّا ضَرْبَةً واحِدَةً. ولو حَلَفَ لا يَضْرِبُه أكْثرَ من ضَرْبَةٍ واحِدَةٍ، ففعل هذا، لم يَحْنَث فى يَمِينِه.

فصل: ولا يَبَرُّ حتى يَضْرِبَه ضَرْبًا يُؤْلِمُه. وبهذا قال مالِكٌ. وقال الشافِعِىُّ: يَبَرُّ بما لا يُؤْلِمُ؛ لأَنَّه يَتَناوَلُه الاسْمُ، فوَقَعَ البرُّ بِه. كالمُؤْلِمِ. ولَنا، أَنَّ هذا يُقْصَدُ به فى العُرْفِ التَّأْلِيمُ، فلا يَبَرُّ بغيرِه. وكذلك كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الضَّرْبُ فى الشَّرْعِ، فى حَدٍّ، أو تَعْزيرٍ، كان من شَرْطِه التَّأْلِيمُ، كذا ههُنا.

١٨٥١ - مسألة؛ قال: (وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ، فَكَتَبَ إلَيْهِ، أَوْ أرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أرَادَ أَنْ لا يُشافِهَهُ)

أكثرُ أصْحابِنا على هذا. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشافِعِىِّ. وقد رَوَى الأَثْرَمُ وغيرُه، عن أحمدَ، فى رجُلٍ حَلَفَ أَنْ لا يُكَلِّمَ رجُلًا، فكتَبَ إليه كتابًا، قال: وأىُّ شىءٍ كان سَبَبَ ذلك؟ إنَّما يُنْظَرُ إلى سَبَبِ يَمِينِه، ولِمَ (١) حَلَفَ؟ إِنَّ الكتابَ قد (٢) يَجْرِى مَجْرَى الكلامِ، وقد (٣) يكونُ بمنزِلَةِ الكلامِ فى بعضِ الحالاتِ. وهذا يدُلُّ على أنَّه لا يَحْنَثُ بالكتابِ، إِلَّا أَنْ تكونَ نِيَّتُه أو سَبَبُ يَمِينِه يَقْتَضِى هِجْرانَه، وتَرْكَ صلَتِه، وإِنْ لم يَكُنْ كذلك، لم يَحْنَثْ بكتابٍ ولا رسولٍ؛ لأنَّ ذلك ليس بتَكْلِيمٍ (٤) فى الحقيقَةِ، ولهذا (٥) يصِحُّ نَفْيُه، فيُقالُ: ما كَلَّمْتُه، وإنَّما كاتَبْتُه وراسَلْتُه (٦). ولذلك قال اللَّهُ تعالى:


(١) فى ب، م: "ولو".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) فى م: "والكتاب قد".
(٤) فى ب، م: "بتكلم".
(٥) فى م: "وهذا".
(٦) فى أ، ب، م: "أو راسلته".

<<  <  ج: ص:  >  >>