لم يَصِحَّ العَقْدُ في الكلِّ، على قولِ الخِرَقِيِّ، ويُخَرَّجُ [في](٦) صِحَّته في قَدْرِ المَقْبُوضِ وَجْهانِ، بنَاءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ أحدُهما، يَصِحُّ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. والثانى، لا يَصِحُّ. وهو قولُ الشَّافِعيِّ. وهو أَصَحُّ؛ لأنَّ لِلْمُعَجَّلِ فَضْلًا على المُؤَجَّلِ، فيَقْتَضِى أن يكونَ في مُقَابَلَتِه أكْثَرَ ممَّا في مُقَابَلَةِ المُؤَجَّلِ، والزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ، فلا يَصِحُّ.
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ هذه الأوْصافَ السِّتَّةَ التي ذَكَرْنَاهَا، لا يَصِحُّ السَّلَمُ إلَّا بها، وقد دَلَّلْنَا على ذلك. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ:
أحدُهما، مَعْرِفَةُ صِفَةِ الثَّمَنِ المُعَيَّنِ. ولا خِلَافَ في اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ صِفَتِه إذا كان في الذِّمَّةِ؛ لأنَّه أحَدُ عِوَضَىِ السَّلَمِ، فإذا لم يكُنْ مُعَيَّنًا اشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ صِفَتِه، كالمُسْلَمِ فيه، إلَّا أنَّه إذا أَطْلَقَ وفى البَلَدِ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ، انْصَرَفَ الإِطْلَاقُ إليه، وقَامَ مَقَامَ وَصْفِه، فأمَّا إن كان الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، فقال القاضي وأبو الخَطَّابِ: لا بُدَّ من مَعْرِفَةِ وَصْفِه. واحْتَجَّا بقولِ أحمدَ: يقولُ: أسْلَمْتُ إليك كذا وكذا دِرْهَمًا. ويَصِفُ الثَّمن. فَاعْتَبَرَ ضَبْطَ صِفَتِه. وهذا قولُ مالِكٍ وأبى حنيفةَ؛ لأنَّه عَقْدٌ لا يَمْلِكُ إتْمامَهُ في الحال، ولا تَسْلِيمَ المَعْقُودِ عليه، ولا يُؤْمَنُ انْفِسَاخُه، فوَجَبَ مَعْرِفَةُ رَأْسِ المُسْلَمِ فيه، لِيَرُدَّ بَدَلَهُ، كالقَرْضِ والشَّرِكَةِ. ولأنَّه لا يُؤْمَنُ أن يَظْهَرَ بعضُ الثمَنِ مُسْتَحَقًّا، فَيَنْفَسِخَ العَقْدُ في قَدْرِه، فلا يَدْرِى في كم بَقِىَ وكم انْفَسَخَ؟ فإن قيل: هذا مَوْهُومٌ، والمَوْهُوماتُ لا تُعْتَبَرُ. قُلْنا: التَّوَهُّمُ مُعْتَبَرٌ هاهُنا؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الجَوازِ، وإنَّما جُوِّزَ إذا وَقَعَ الأَمْنُ من الغَرَرِ، ولم يُوجَدْ هاهُنا، بِدَلِيلِ ما إذا أسْلَمَ في ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِه، أو قَدَّرَ المُسْلَمَ فيه بِصَنْجَةٍ أو مِكْيَالٍ مُعَيَّنٍ، فإنَّه لا يَصِحُّ.