قد نُقِلَ عنه أنَّه كان مِمَّنْ لا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، ولأنَّه قد نُقِلَتْ تَكْبِيرَةٌ واحِدَةٌ عن زيدِ بنِ ثابتٍ وابنِ عمرَ، ولم يُعْرَفْ لهما في الصحابَةِ مُخَالِفٌ. فيَكون ذلكَ إجْماعًا، ولِأنَّه اجْتَمَعَ واجِبانِ مِنْ جِنْسٍ في مَحَلٍّ واحِدٍ، وأحدُهما رُكْنٌ، فَسَقَطَ به الآخَرُ، كما لو طافَ الحَاجُّ طَوافَ الزِّيَارَةِ عند خُرُوجِه مِن مَكَّةَ، أجْزَأَهُ عن طَوَافِ الوَداعِ. وقال القاضي: إنْ نَوَى بِالتَّكْبِيرِ الإِحْرَامَ وَحْدَهُ أجْزَأَه، وإنْ نَوَى به الإِحرامَ والرُّكُوعَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أحمدَ أنَّه لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه شَرَّكَ بين الوَاجِبِ وغيرِه في النِّيَّةِ، فأشْبَهَ ما لو عَطَسَ عندَ رَفْعِ رأسِه من الرُّكُوعِ، فقال: رَبَّنَا ولك الحَمْدُ ينْوِيهَا. قالَ: ونصَّ أحمدُ في هذا أنه لا يُجْزِئُه. وهذا القولُ يُخَالِفُ نُصُوصَ أحمدَ، فلا يُعَوَّلُ عليه، وقد قال في رِوَايَةِ ابْنِه صَالِح، فيمَنْ جاءَ به والإِمَامُ رَاكِعٌ: كَبَّرَ تَكْبِيرَةً واحِدَةً. قِيل له: يَنوِى بها الافْتِتَاحَ؟ قال: نَوَى أوْ لم يَنْوِ، أليس قد جاءَ وهو يُرِيدُ الصلاةَ؟ ولِأنَّ نِيَّةَ الرُّكُوعِ لا تُنَافِى نِيَّةَ الافْتِتَاحِ، ولهذا حَكَمْنا بدُخُولِه في الصلاةِ بهذه النِّيَّةِ، فلم تُؤَثِّرْ نِيَّةُ الرُّكُوعِ في فَسَادِها؛ ولأنَّه واجِبٌ يُجْزِىءُ عنه وعن غيرِه إذا نَوَاهُ، فلم يَمْنَعْ صِحَّةَ نِيَّةِ الوَاجِبَيْنِ، كما لو نَوَى بطَوَافِ الزِّيَارَةِ له ولِلْوَدَاعِ، ولا يَجُوزُ تَرْكُ نَصِّ الإِمامِ ومُخَالَفَتُه بقيَاسِ ما نَصُّهُ في مَوْضِعٍ آخرَ، كما لا يُتْرَكُ نَصُّ كتابِ اللَّه تعالى ورسولِه بِقِيَاسٍ، والمُسْتَحَبُّ تَكْبيرتَان (١٩) نَصَّ عليهِ أحمدُ، قال أبو داوُد: قلتُ لأحمدَ، يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إليكَ؟ قال: إنْ كَبَّرَ تكبِيرتَيْنِ، ليس فيه اخْتِلَافٌ.
فصل: وإِنْ أدْرَكَ الإِمامَ في رُكْنٍ غيرِ الركوعِ، لم يُكَبِّرْ إلَّا تكبِيرَةَ الافْتِتَاحِ، ويَنْحَطُّ بغيرِ تَكْبِيرٍ؛ لِأنَّه لا يُعْتَدُّ له به، وقد فاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ. وإنْ أدركه في السجودِ أو التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ كَبَّرَ في حالِ قِيَامِه مع الإِمامِ إلى الثَّالِثَةِ؛ لأنَّه مَأْمُومٌ له، فَيُتَابِعُه في التَّكْبِيرِ، كمَنْ أَدْرَكَ مَعه مِنْ أَوَّلِها، وإنْ سلَّمَ الإِمامُ قامَ إلى القضاءِ بتَكْبِيرٍ. وبهذا قال مالكٌ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ. وقال الشافعيُّ: يقُومُ بِغيرِ