للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَؤُونَتُهُم، فى مُضِيِّه ورُجُوعِه؛ لأنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحُقُوقِ الآدَمِيِّينَ، وهم أحْوَجُ، وحَقُّهُم آكَدُ، وقد رَوَى عبدُ اللهِ بن عَمْرٍو، عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "كَفَى بالمَرْءِ إثْمًا أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (٢٠). وأن يكونَ فَاضِلًا عمَّا يَحْتاجُ هو وأهْلُه إليه، من مَسْكَنٍ وخَادِمٍ ومَا لَا بُدَّ منه، وأنْ يكونَ فَاضِلًا عن قَضاءِ دَيْنِه؛ لأنَّ قَضاءَ الدَّيْنِ من حَوَائِجه الأصْلِيَّةِ، ويَتَعَلَّقُ به حُقُوقُ الآدَمِيِّينَ، فهو آكَدُ، ولذلك مَنَعَ الزَّكَاةَ، مع تَعَلُّقِ حُقُوقِ الفُقَرَاءِ بها، وحاجَتِهِم إليها، فالحَجُّ الذى هو خَالِصُ حَقِّ اللهِ تعالَى أوْلَى، وسَوَاءٌ كان الدَّيْنُ لآدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ، أو من حُقُوقِ اللهِ تعالى، كزَكاةٍ فى ذِمَّتِهِ، أو كَفَّارَاتٍ ونَحْوِها. وإن احْتاجَ إلى النِّكَاحِ، وخافَ على نَفْسِهِ العَنَتَ، قَدَّمَ التَّزْوِيجَ؛ لأنَّه وَاجِبٌ عليه، ولا غِنَى به عنه، فهو كنَفَقَتِه، وإن لم يَخَفْ، قَدَّمَ الحَجَّ؛ لأنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ، فلا يُقَدَّمُ على الحَجِّ الوَاجِبِ. وإن حَجَّ مَنْ تَلْزَمُه هذه الحُقُوقُ وضَيَّعَها، صَحَّ حَجُّهُ؛ لأنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بذِمَّتِه، فلا تَمْنَعُ صِحَّةَ فِعْلِه.

فصل: ومَن له عَقَارٌ يحْتاجُ إليه لِسُكْناهُ، أو سُكْنَى عِيالِه، أو يَحْتاجُ إلى أُجْرَتِه لِنَفَقَةِ نَفْسِه أو عِيالِه، أو بِضَاعَةٌ متى نَقَصَها اخْتَلَّ رِبْحُها فلم يَكْفِهم، أو سَائِمَةٌ يَحْتاجُونَ إليها، لم يَلْزَمْهُ الحَجُّ، وإن كان له من ذلك شىْءٌ فَاضِلٌ عن حاجَتِه، لَزِمَهُ بَيْعُه فى الحَجِّ. فإن كان له مَسْكَنٌ وَاسِعٌ يَفْضُلُ عن حَاجَتِه، وأمْكَنَهُ بَيْعُهُ وشِرَاءُ ما يَكْفِيهِ، ويَفْضُلُ قَدْرُ ما يَحُجُّ به، لَزِمَهُ. وإن كانت له كُتُبٌ يَحْتاجُ إليها، لم يَلْزَمْهُ بَيْعُها فى الحَجِّ. وإن كانتْ ممَّا لا يَحْتاجُ إليها، أو كان له بكِتابٍ نُسْخَتانِ، يَسْتَغْنِى بأحَدِهما، باعَ ما لا يَحْتاجُ إليه، فإن كان له دَيْنٌ على مَلِىءٍ باذِلٍ له يَكْفِيه لِلْحَجِّ، لَزِمَهُ؛ لأنَّه قَادِرٌ، وإن كان على مُعْسِرٍ، أو تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُه عليه، لم يَلْزَمْهُ.


(٢٠) تقدم تخريجه فى ٤/ ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>