للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: إذا لم يَسْتَطِعْ. قيل: مثلُ الحُمَّى؟ قال: وأىُّ مَرَضٍ أشَدُّ مِن الحُمَّى! وحُكِىَ عن بَعْضِ السَّلَفِ أنَّه أباحَ الفِطْرَ بكل مَرَضٍ، حتى من وَجَعِ الإِصْبَعِ والضِّرْسِ؛ لِعُمُومِ الآية فيه، ولأنَّ المُسَافِرَ يُبَاحُ له الفِطْرُ وإن لم يَحْتَجْ إليه، فكذلك المَرِيضُ. ولنَا، أنَّه شاهِدٌ لِلشَّهْرِ، لا يُؤْذِيهِ الصومُ، فلَزِمَهُ، كالصَّحِيحِ، والآية مَخْصُوصَةٌ في المُسافِرِ والمَرِيضِ جَمِيعًا، بِدَلِيلِ أنَّ المُسافِرَ لا يُباحُ له الفِطْرُ في السَّفَرِ القَصِيرِ، والفَرْقُ بين المُسافِرِ والمَرِيضِ، أنَّ السَّفَرَ اعْتُبِرَتْ فيه المَظِنَّةُ، وهو السَّفَرُ الطَّوِيلُ، حيثُ لم يُمْكِن اعْتِبارُ الحِكْمَةِ بِنَفْسِها، فإنَّ قَلِيلَ المَشَقَّةِ لا يُبِيحُ، وكَثِيرَها لا ضَابِطَ له في نَفْسِه، فاعْتُبِرَتْ بِمَظِنَّتِها، وهو السَّفَرُ الطَّوِيلُ، فدَارَ الحُكْمُ مع المَظِنَّةِ وُجُودًا وعَدَمًا، والمَرَضُ لا ضابِطَ له؛ فإنَّ الأمراضَ تَخْتَلِفُ، منها ما يَضُرُّ صاحِبَهُ الصومُ، ومنها ما لا أثَرَ لِلصومِ فيه، كوَجَعِ الضِّرْسِ، وجُرْحٍ في الإِصْبَعِ، والدُّمَّلِ، والقَرْحَةِ اليَسِيرَةِ، والجَرَبِ، وأشْباهِ ذلك، فلم يَصْلُح المَرَضُ ضَابِطًا، وأمْكنَ اعْتِبارُ الحِكْمَةِ، وهو ما يُخافُ منه الضَّرَرُ، فَوَجَبَ اعْتِبارُه بذلك (٢). فإذا ثَبَتَ هذا، فإن تَحَمَّلَ المَرِيضُ وصامَ مع هذا، فقد فَعَلَ مَكْرُوهًا؛ لما يَتَضَمَّنُه من الإِضْرَارِ بِنَفْسِه، وتَرْكِه تَخْفِيفَ اللهِ تعالى، وقَبُولِ رُخْصَتِه (٣)، ويَصِحُّ صَوْمُه ويُجْزِئُه؛ لأنَّه عَزِيمَةٌ تَرْكُها رُخْصةٌ، فإذا تَحَمَّلَه أجْزَأهُ، كالمَرِيضِ الذى يُباحُ له تَرْكُ الجُمُعَةِ إذا حَضَرَها، والذى يُباحُ له تَرْكُ القِيامِ في الصلاةِ إذا قامَ فيها.

فصل: والصَّحِيحُ (٤) الذى يَخْشَى المَرَضَ بالصِّيامِ، كالمَرِيضِ الذى يَخافُ زِيَادَتَهُ في إباحَةِ الفِطْرُ؛ لأنَّ المَرِيضَ إنَّما أُبِيحَ له الفِطْرُ خَوْفًا ممَّا يَتَجَدَّدُ بِصِيامِه،


(٢) سقط من: ب، م.
(٣) في الأصل: "رخصه".
(٤) في م زيادة: "أن".

<<  <  ج: ص:  >  >>