للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمُ إيجابِ الدِّيَةِ. وقولُهم: إنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ على العاقلةِ ابتداءً. مَمْنُوعٌ، وإنما تَجِبُ على القاتِلِ، ثم تتَحَمَّلُها العاقلةُ عنه. وإن سَلَّمْنا وجُوبَها عليهم ابتداءً، لكن مع وُجُودِهم، أمَّا مع عَدَمِهِم، فلا يُمْكِنُ القولُ بوُجُوبِها عليهم. ثم ما ذكَرُوه مَنْقُوضٌ بما أبْدَيْناه من الصُّوَرِ. فعلى هذا، تَجِبُ الدِّيَةُ على القاتلِ إن تَعَذَّرَ حَمْلُ جَمِيعِها، أو باقِيها إن حَمَلَتِ العاقلةُ بعضَها. واللهُ أعلمُ.

١٤٦٩ - مسألة؛ قال: (ودِيَةُ الْحُرِّ الْكِتَابِىِّ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ المُسْلِمِ، ونِسَاؤُهُم، عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ)

هذا ظاهرُ المذهبِ. وهو مذهبُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ، وعُرْوَةَ، ومالكٍ، وعَمْرِو بن شُعَيْبٍ. وعن أحمدَ، أنَّها ثُلثُ دِيَةِ المسلمِ. إلَّا أنَّه رَجَع عنها، فإنَّ صالِحًا رَوَى عنه، أنَّه قال: كنتُ أقولُ: إنَّ (١) دِيَةَ اليَهُودِىِّ (٢) والنَّصْرانىِّ أرْبَعةُ آلافٍ، وأنا اليوم أذْهَبُ إلى نِصْفِ دِيَةِ المسلمِ، حديثِ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، وحديث عثمانَ الذي يَرْوِيه الزُّهْرِىُّ عن سالمٍ عن أبِيه. وهذا صَرِيحٌ في الرُّجُوعِ عنه. ورُوِىَ عن عمرَ وعثمانَ، أنَّ دِيَتَه أرْبَعةُ آلافِ دِرْهَمٍ. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، والحسنُ، وعِكْرِمَةُ، وعَمْرُو بن دينارٍ، والشافعيُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ؛ لما رَوَى عُبادَةُ بن الصّامِتِ، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "دِيَةُ الْيَهُودِىِّ والنَّصْرَانىِّ، أرْبَعةُ آلَافٍ، أرْبَعةُ آلافٍ" (٣). ورُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، جَعَلَ دِيَةَ اليَهُودِىِّ والنَّصْرانىِّ أرْبعةَ آلافٍ، ودِيَةَ المَجُوسِىِّ ثمانمائة دِرْهَمٍ (٤). وقال عَلْقَمةُ، ومُجاهِدٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: دِيَتُه كدِيَةِ المسلمِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، وابنِ مسعودٍ، ومُعاوِيةَ،


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "اليهود".
(٣) عزا ابن حجر روايته إلى أبى إسحاق الإسفراينى، في كتاب أدب الجدل. تلخيص الحبير ٤/ ٢٥.
(٤) تقدم تخريجه، في صفحة ١٠، ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>