للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَوْرٍ، وأحدُ قَوْلَىِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّها إذا جازَتْ في المَعْدُومةِ مع كَثْرةِ الغَرَرِ فيها، فمع وُجُودِها وقِلَّةِ الغَرَرِ فيها أَوْلَى. وإنَّما تَصِحُّ إذا بَقِىَ من العَمَلِ ما يُسْتَزَادُ به الثَّمَرَةُ، كالتَّأْبِيرِ، والسَّقْىِ، وإصْلَاحِ الثَّمرَةِ، فإن بَقِىَ ما لا تَزِيدُ به الثَّمَرَةُ، كالجِذَاذِ ونحوِه، لم يَجُزْ، بغيرِ خِلَافٍ. والثانية، لا تَجُوزُ. وهو القولُ الثاني للشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه ليس بمَنْصُوصٍ عليه، ولا في مَعْنَى المَنْصُوصِ، فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عامَلَ أهْلَ خَيْبَرَ على الشَّطْرِ ممَّا يَخْرُجُ من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ، ولأنَّ هذا يُفْضِى إلى أن يَسْتَحِقَّ بالعَقْدِ عِوَضًا مَوْجُودًا يَنْتَقِلُ المِلْكُ فيه عن رَبِّ المالِ إلى المُسَاقِى. فلم يَصِحَّ، كما لو بَدا صَلَاحُ الثَّمَرةِ، ولأنَّه عَقْدٌ على العَمَلِ في المالِ ببعضِ نَمَائِه، فلم يَجُزْ بعدَ ظُهُورِ النَّمَاءِ، كالمُضَارَبةِ، ولأنَّ هذا يجْعَلُ (١٢) العَقْدَ إجارَةً بمَعْلُومٍ (١٣) ومَجْهُولٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو اسْتَأْجَرَه على العَمَلِ بذلك. وقولُهم: إنَّه أَقَلُّ غَرَرًا. قُلْنا: قِلَّةُ الغَرَرِ ليستْ من المُقْتَضِى لِلْجَوَازِ، ولا كَثْرَتُه المَوْجُودَةُ في مَحلِّ النَّصِّ (١٤) مانِعَةً، فلا تُؤَثِّرُ قِلَّتُه شيئًا، والشَّرْعُ وَرَدَ به على وَجْهٍ لا يَسْتَحِقُّ العامِلُ فيه عِوَضًا مَوْجُودًا. ولا يَنْتَقِلُ إليه من مِلْكِ رَبِّ المالِ شيءٌ، وإنَّما يَحْدُثُ النَّماءُ المَوْجُودُ على مِلْكِهِما. على ما شَرَطَاه، فلم تَجُزْ مُخَالَفَةُ هذا المَوْضُوعِ، ولا إثْباتُ عَقْدٍ ليس في مَعْناه إلْحاقًا به، كما لو بَدَا صَلَاحُ (١٥) الثَّمَرَةِ، وكالمُضَارَبَةِ (١٦) بعدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ.

فصل: فأمَّا قولُ الخِرَقِىِّ: "بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ من الثَّمَرِ". فيَدُلُّ على شَيْئَيْنِ؛ أحَدهما، أنَّ المُساقاةَ لا تَصِحُّ إلَّا على جُزْءٍ مَعْلُومٍ منْ الثَّمَرةِ مُشَاعٍ، كالنِّصْفِ والثُّلُثِ، لِحَدِيثِ ابن عمَرَ: عامَلَ أهْلَ خَيْبَرَ بشَطْرِ ما يَخْرُجُ منها. وسَواءٌ


(١٢) في م: "جعل".
(١٣) في الأصل: "معلوم".
(١٤) في ب: "النزاع".
(١٥) سقط من: ب.
(١٦) سقطت الواو من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>