للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقْبَلُ إلَّا شهادةَ المَسْئولينَ، ويكلِّفُ اثنَيْنِ منهم أن يَشْهدُوا بالتَّزْكِيَةِ والجَرْح عندَه، على شُروطِ (٢١) الشَّهادةِ فى اللَّفْظِ وغيرِه، ولا تُقْبلُ مِن صاحب المسْألةِ؛ لأنَّ ذلك شهادةٌ على شهادةٍ، مع حضُورِ شُهودِ الأصلِ. ووَجْهُ القولِ الأَوَّل، أنَّ شَهادةَ أصحابِ المسائلِ شهادةُ اسْتِفاضَةٍ؛ لا شهادةٌ على شَهادةٍ، فيُكْتَفَى بمَن يشْهَدُ بها، كسائرِ شهاداتِ الاسْتِفاضةِ؛ ولأنَّه مَوضِعُ حاجةٍ [، فإنَّه لا] (٢٢) يَلزمُ المُزَكِّىَ الحضورُ للتَّزْكِيَةِ، وليس للحاكمِ إجْبارُه عليها، فصارَ كالمرضِ والغَيْبَةِ فى سائرِ الشَّهاداتِ، ولأنَّنا لو لم نَكْتفِ بشهادةِ أصحابِ المسائلِ، لتعذَّرَتِ التَّزْكِيَةُ؛ لأنَّه قد يتَّفِقُ أنْ لا يكونَ فى جيرانِ الشَّاهدِ مَن يَعْرِفُه الحاكمُ، فلا يَقْبَلُ قولَه، فيَفُوتُ التَّعْديلُ والجَرْحُ.

فصل: قال القاضي: ولابُدَّ مِن معرفةِ إسلامِ الشَّاهدِ، ويَحْصُلُ ذلك بأحدِ أربعةِ أُمورٍ؛ أحدُها، إخْبارُه عن نفسِه أنَّه مسلمٌ، أو إتْيانُه بكلمةِ الإسلامِ، وهى شَهادةُ أنْ لا إله إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه؛ لأنَّه لو لم يكنْ مسلمًا صارَ مُسلمًا بذلك. الثانى، اعْترافُ المَشْهودِ عليه بإسْلامِه؛ لأنَّ ذلك حَقٌّ عليه. الثالث، خِبْرةُ الحاكمِ؛ لأنَّنا اكْتفَيْنا بذلك فى عَدالتِه، فكذلك فى إسْلامِه. الرابع، بَيِّنَةٌ تقُومُ به. ولابُدَّ من معرفةِ الحُرِّيَّةِ فى مَوْضِعٍ تُعْتَبَرُ فيه، ويَكْفِى فى ذلك أحدُ أمورٍ ثلاثةٍ؛ بَيِّنَةٌ، أو اعْترَافُ المشْهودِ عليه، أو خِبْرَةُ الحاكمِ. ولا يكْفِى اعْترافُ الشاهدِ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ أن يصيرَ حُرًّا، فلا يَمْلِكُ الإقْرارَ به، بخِلافِ الإسْلامِ.

فصل: وإذا شهِدَ عندَ الحاكمِ مجهولُ الحالِ، فقال المشْهودُ عليه: هو عَدْلٌ. ففيه وَجْهان؛ أحدهما، يَلْزَمُ الحاكمَ الحكمُ بشهادتِه؛ لأنَّ البحثَ عن عَدالتِه لِحَقِّ المشْهودِ عليه، وقد اعْترفَ بها، ولأنَّه إذا أقرَّ بعدالتِه، فقد أقرَّ بما يُوجِبُ الحكمَ لِخَصْمِه عليه، فيُؤْخَذُ بإقرارِه، كسائرِ أقارِيرِه. والثانى، لا يجوزُ الحكْمُ بشهادتِه؛ لأنَّ فى الحُكمِ بها تَعديلًا له، فلا يَثْبتُ بقولٍ واحدٍ، ولأنَّ اعْتبارَ العَدالةِ فى الشاهدِ حَقٌّ للهِ تعالى، ولهذا لو رَضِىَ الخَصْمُ أنْ (٢٣) يُحْكَمَ عليه بقولِ فاسقٍ، لم يَجُزْ الحكمُ به، ولأنَّه لا يَخْلُو؛ إمَّا أن


(٢١) فى ب: "شرط".
(٢٢) فى م: "فلا".
(٢٣) فى ب، م: "بأن".

<<  <  ج: ص:  >  >>