للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ (٨) منهما: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأمَّا وَقْتُ الجَوَازِ، فأوَّلُهُ من نِصْفِ (٨) اللَّيْلِ من لَيْلَةِ النَّحْرِ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ: أوَّلُهُ طُلُوعُ الفَجْرِ من يومِ النَّحْرِ، وآخِرُهُ آخِرُ أيَّامِ النَّحْرِ. وهذا مَبْنِيٌّ على أوَّلِ وَقْتِ الرَّمْىِ، وقد مَضَى الكلامُ فيه. وأما آخِرُ وَقْتِه فاحْتجَّ بأنه نُسُكٌ يُفْعَلُ في الحَجِّ، فكان آخِرُه مَحْدُودًا، كالوُقُوفِ والرَّمْىِ. والصَّحِيحُ أنَّ آخِرَ وَقْتِه غيرُ مَحْدُودٍ؛ فإنَّه مَتَى أتَى به صَحَّ بغيرِ خِلَافٍ، وإنَّما الخِلَافُ في وُجُوبِ الدَّمِ، فيقولُ: إنَّه طَافَ فيما بعد أَيَّامِ النَّحْرِ طَوَافًا صَحِيحًا، فلم يَلْزَمْهُ دَمٌ، كما لو طافَ أَيَّامَ النَّحْرِ، فأمَّا الوُقُوفُ والرَّمْىُ، فإنَّهما لمَّا كانا مُوَقَّتَيْنِ، كان لهما وَقْتٌ يَفُوتانِ بِفَواتِه، وليس كذلك الطَّوَافُ، فإنَّه متى أتَى به صَحَّ.

فصل: وصِفَةُ هذا الطَّوَافِ كصِفَةِ طَوافِ القُدُومِ، سِوَى أنَّه يَنْوِى به طَوافَ الزِّيَارَةِ، ويُعَيِّنُه بِالنِّيَّةِ. ولا رَمَلَ فيه، ولا اضْطِباعَ. قال ابنُ عَبّاسٍ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَرْمُلْ في السَّبْعِ الذى أفَاضَ فيه (٩). والنِّيَّةُ شَرْطٌ في هذا الطَّوَافِ. وهذا قَوْلُ إسحاقَ، وابنِ القاسمِ صَاحِبِ مالِكٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال الثَّوْرِيُّ، والشَّافِعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: يُجْزِئُه، وإن لم يَنْوِ الفَرْضَ الذى عليه. ولَنا، قَوْلُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا [لِكُلِّ امْرِئٍ] (١٠) ما نَوَى" (١١). ولأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّاهُ صَلاةً (١٢)، والصلاةُ لا تَصِحُّ إلَّا بالنِّيَّةِ (١٣) اتِّفَاقًا.


= كما أخرجهما ابن ماجه، في: باب زيارة الليل، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠١٧.
والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٨٨، ٣٠٩، ٦/ ٢١٥.
(٨) سقط من: أ.
(٩) أخرجه أبو داود، في: باب الإِفاضة في الحج، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤٦٢. وابن ماجه، في: باب زيارة البيت، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠١٧.
(١٠) في الأصل، أ: "لامرئ".
(١١) تقدم تخريجه في: ١/ ١٥٦.
(١٢) تقدم تخريجه في صفحة ٢٢٣.
(١٣) في ب، م: "بالنيات".

<<  <  ج: ص:  >  >>