للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَفَرَ. فقال أحمدُ: مَن فَعَلَ ذلك فلْيَحْلِقْ. وهو قَوْلُ النَّخَعِيِّ، ومالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وإسحاقَ. وكان ابنُ عَبَّاسٍ يقول: مَن لَبَّدَ، أو ضَفَرَ، أو عَقَدَ، أو فَتَلَ، أو عَقَصَ، فهو على ما نَوَى. يَعْنِى إن نَوَى الحَلْقَ فَلْيَحْلقْ، وإلَّا فلا يَلْزَمُه. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: هو مُخَيَّرٌ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ ما ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِى التَّخْيِيرَ على العُمُومِ، ولم يَثْبُتْ في خِلافِ ذلك دَلِيلٌ. واحْتَجَّ مَن نَصَرَ القَوْلَ الأوَّل، بأنَّه رُوِىَ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "مَنْ لَبَّدَ فَلْيَحْلِقْ" (٦). وثَبَتَ عن عمرَ وابْنِه أنهما أمَرَا مَن لَبَّدَ رَأسَهُ [أن يَحْلِقَهُ. وثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبَّدَ رَأْسَهُ] (٧)، وأنَّه حَلَقَهُ (٨). والصَّحِيحُ أنَّه مُخَيَّرٌ، إلَّا أن يَثْبُتَ الخَبَرُ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقَوْلُ عمَرَ وابْنِه قد خَالَفَهما فيه ابنُ عَبّاسٍ، وفِعلُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له لا يَدُلُّ على وُجُوبِه، بعدَ ما بَيَّنَ لهم جَوَازَ الأمْرَيْنِ.

فصل: والحَلْقُ والتَّقْصِيرُ نُسُكٌ في الحَجِّ والعُمْرَةِ، في ظَاهِرِ مذهبِ أحمدَ، وقَوْلِ الخِرَقِيِّ، وهو قَوْلُ مَالِكٍ، وأبي حنيفةَ، والشَّافِعِيِّ. وعن أحمدَ أنَّه ليس بِنُسُكٍ، وإنَّما هو إطْلَاقٌ مِن مَحْظُورٍ كان مُحَرَّمًا عليه بالإِحْرَامِ، فأُطْلِقَ فيه عندَ الحِلِّ، كاللِّبَاسِ والطِّيبِ وسائِرِ مَحْظُورَاتِ الإحْرَامِ. فعلَى هذه الرِّوَايَةِ لا شىءَ على تَارِكِه، ويَحْصُلُ الحِلُّ بِدُونِه. ووَجْهُها أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ بالحِلِّ من العُمْرَةِ قبلَه، فرَوَى أبو موسى، قال: قَدِمْتُ على رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال لى: "بِمَ


= كما أخرجه البخارى، في: باب الحلق والتقصير. . .، من كتاب الحج. صحيح البخارى ٢/ ٢١٣. وأبو داود، في: باب الحلق والتقصير، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤٥٧. وابن ماجه، في: باب الحلق، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠١٢. والدارمى، في: باب فضل الحلق. . .، من كتاب المناسك. سنن الدارمى ٢/ ٦٤. والإِمام مالك، في: باب الحلاق، الموطأ ١/ ٣٩٥. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٣٥٣، ٢/ ١٦، ٧٩، ١١٩، ١٣٨، ١٤١، ٥/ ٣٨١، ٦/ ٤٠٢.
(٦) أخرجه البيهقى، في: باب من لبد أو ضفر. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ١٣٥.
(٧) سقط من: الأصل. نقلة نظر.
(٨) تقدم تخريجه قى صفحة ٨٧، وصفحة ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>