للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُقْتَصِّ؛ لأنَّه حَصَلَ بفعلِ الجانِى. فإنْ اخْتَلَفَا هَلْ فَعَلَه خطأً أَو عَمْدًا؟ فالقولُ قولُ المقْتَصِّ مع يَمِينِه؛ لأنَّ هذا ممَّا يُمْكِن الخَطأُ فيه، وهو أعْلَمُ بقَصْدِه، وإن قال المُقْتَصُّ: حَصَلَ هذا باضْطِرابِكَ، أو فِعْلٍ من جِهَتِكَ. فالقولُ قولُ المُقْتَصِّ منه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ. فإن سَرَى الاسْتِيفاءُ الذي حَصَلتْ فيه الزِّيادةُ إلى نَفْسِ المُقْتَصِّ منه، فمات، أو إلى بعض أعْضائِه، مثل أن قَطَعَ إصْبَعَه (٤٢)، فسَرَى إلى جميع يَدِه، أو اقْتَصَّ منه بآلَةٍ كالَّةٍ أو مَسْمُومةٍ، أو في حَالِ حَرٍّ مُفْرِطٍ، أو بَرْدٍ شديدٍ، فسَرَى، فقال القاضي: على المُقْتَصِّ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لأنَّه تَلِفَ بفِعْلَيْنِ؛ جائزٍ ومُحَرَّمٍ، ومَضْمونٍ وغيرِ مَضْمونٍ، فانْقَسَم الواجبُ عليهما نِصْفَيْنِ، كما لو جَرَحَه جُرْحًا في حالِ رِدَّتِه وجُرْحًا بعدَ إسْلامِه، فمات منهما. وهذا كلُّه مذهبُ الشافعىِّ. ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَه ضَمانُ السِّرايَةِ كلِّها، فيما إذا اقْتَصَّ بآلَةٍ مَسْمومةٍ أو كالَّةٍ؛ لأنَّ الفِعْلَ كلَّه يَحْرُمُ (٤٣)، بخلافِ قَطْعِ الإِصْبَعَيْنِ، فإنَّ أحَدَهُما مُباحٌ.

فصل: قال القاضي: ولا يجوزُ اسْتيفاءُ القِصاصِ إلَّا بحَضْرَةِ السُّلْطانِ. وحكاه عن أبى بكرٍ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه أمْرٌ يَفْتَقِرُ إلى الاجْتِهادِ ويَحْرُمُ الحَيْفُ فيه، فلا يُؤْمَنُ الحَيْفُ مع قَصْدِ التَّشَفِّى. فإن اسْتَوْفاه (٤٤) من غيرِ حَضْرةِ (٤٥) السُّلطانِ، وقَعَ المَوْقِعَ، ويُعَزَّرُ؛ لِافْتِياتِه بفِعْل ما مُنِعَ فِعْلُه. ويَحْتَمِلُ أن يَجُوزَ الاسْتِيفاءُ بغير حَضْرةِ (٤٦) السلطانِ، إذا كان القِصاصُ في النَّفسِ؛ لأنَّ رَجُلًا أتَى النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرَجُلٍ يَقُودُه بنِسْعَةٍ (٤٧)، فقال: إنَّ هذا قَتَلَ أخِى. فاعْتَرَفَ بقَتْلِه. فقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذْهَبْ، فاقْتُلْهُ". روَاه مسلمٌ بمَعْناه (٤٨). ولأنَّ اشتراطَ حُضُورِ السُّلطانِ لا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أو


(٤٢) في ب: "إصبعيه".
(٤٣) في ب، م: "محرم".
(٤٤) في الأصل: "استوفى".
(٤٥) في ب: "حضور".
(٤٦) في ب، م: "حضور".
(٤٧) النسعة: القطعة من السير الذي تشد به الرحال.
(٤٨) في: باب صحة الإقرار بالقتل. . ., من كتاب القسامة. صحيح مسلم ٣/ ١٣٠٧، ١٣٠٨. =

<<  <  ج: ص:  >  >>