للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للثَّانِيَةِ بِحالٍ، فلا يكونُ مُدْرِكًا لشىءٍ من وقتِها، ووقتُ الثَّانِيَةِ وقتٌ لهما جميعًا، لجَوَازِ فِعْلِ الأُولَى في وقتِ الثَّانِيَةِ، ومَنْ جَوَّزَ الجَمْعَ في وقتِ الأُولَى، فإنهُ يُجَوِّزُ تَقْدِيمَ الثَّانِيَةِ رُخْصَةً تَحْتَاجُ إلى نيَّةِ التَّقْدِيم، وتَرْكَ التَّفْرِيقِ، ومتى أَخَّرَ الأُولَى إلى الثَّانِيَةِ كانت مَفْعُولَةً لا وَاجِبَةً، لا يجوزُ ترْكُها، ولا يَجِبُ نِيَّةُ جَمْعِها، ولا يُشْتَرَطُ تَرْكُ التَّفْرِيقِ بينهما، فلا يَصِحُّ قِيَاسُ الثَّانِيَةِ عَلى الأُولَى، والأصلُ أن لا تَجِبَ صلاةٌ إلا بإدْراكِ وقتِها.

فصل: وهذه المسألة تَدُلُّ على أن الصلاةَ لا تَجِبُ على صَبِىٍّ، ولا كافِرٍ، ولا حائِضٍ؛ إذْ لو كانتِ الصلاةُ وَاجَبةً عليهِم لم يَكن لتَخْصِيصِ القَضَاءِ بهذه الحالِ معنًى، وهذا الصَّحِيحُ في المَذْهَبِ.

فأما الحائِضُ، فقد ذَكَرْنَا حُكْمَهَا في بابِهَا، وأما الكافِرُ فإنْ كان أصْليًّا لم يَلْزَمْهُ قَضَاءُ ما تَرَكَهُ من العبَادَاتِ في حَالِ كُفْرِهِ، بِغَيْرِ خلَافٍ نعْلَمُهُ، وقد قال اللهُ تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (٦)، وأسْلَمَ في عَصْرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خَلْقٌ كَثِيرٌ، وبَعْدَهُ، فلم يُؤْمَرْ أحَدٌ منهم بِقَضَاءٍ، ولأنَّ فِي إيجَابِ القَضَاءِ عليه تَنْفِيرًا عن الإِسْلَامِ، فعُفِىَ عنه. [وقد اخْتَلَفَ] (٧) أَهْلُ العِلْمِ في خِطَابِه بفرُوعِ الإِسْلامِ في حالِ كُفْرِهِ، مع إجْمَاعِهِمْ على أنَّه لا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُها بعدَ إسْلامِه، وحُكِىَ عن أحمد في هذا روايَتَانِ.

وأمَّا المُرْتَدُّ، فَذَكَرَ أبو إسحاق ابن شَاقْلَا (٨)، عن أَحمد، في وجوبِ القَضَاءِ عليه، روايَتَيْن: إحداهُما لا يلزَمُه. وهو ظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ في هذه المسألةِ، فعلى هذا لا يلْزَمُهُ قضاءُ ما تَرَكَ في حالِ كُفْرِهِ، ولا في حالِ إسْلَامِهِ قبلَ رِدَّتِهِ. ولو كان قد حَجَّ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ؛ لأن عَمَلَهُ قد حَبطَ بِكُفْرِهِ، بدَلِيلِ قَوْلِ اللهِ


(٦) سورة الأنفال ٣٨.
(٧) في الأصل: "واختلف".
(٨) أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البغدادي البزار، شيخ الحنابلة، كان جليل القدر، كثير الرواية، وله حلقتان، إحداهما بجامع المنصور، والأخرى بجامع القصر، توفى سنة تسع وستين وثلاثمائة. العبر ٢/ ٣٥١. طبقات الحنابلة ٢/ ١٢٨ - ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>