للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقْصُودَها، فلم تُقْبَلْ منه حِيلَتُه. وقد نصَّ أحمدُ على هذا، فقال: إذا حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ على امرأَتِه، فتَزَوَّجَ بعَجُوزٍ أو زِنْجِيَّةٍ، لا يَبَرُّ؛ لأنَّه أرادَ أَنْ يُغِيرَها ويَغُمَّها، وبهذا لا تَغارُ ولا تَغْتَمُّ. فعلَّلَه أحمدُ بما لا يَغِيظُ به (١٠) الزَّوجةَ، ولم يعْتَبِرْ أَنْ تكونَ نَظِيرَتَها؛ لأَنَّ الغَيْظَ لا يتوَقَّفُ على ذلك، ولو قَدَّر أنّ تَزَوُّجَ (١١) العَجُوزِ يَغِيظُها والزِّنْجِيَّةِ، لَبَرَّ به، وإنَّما ذَكَرَه أحمدُ؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَغِيظُها؛ لأنَّها تَعْلَمُ أنَّه إنَّما فَعَلَ ذلك حِيلَةً لئلَّا يَغِيظَها، ويَبَرَّ به.

فصل: إذا حَلَفَ: لا تَسَرَّيْتُ. فَوَطِئَ جارِيَتَه، حَنِثَ. ذَكَرَه أبو الخَطَّاب. وقال القاضِى: لا يَحْنَثُ حتى يَطَأ فيُنْزِلَ، فَحْلًا كان أو خَصِيًّا. وقال أبو حنيفةَ: لا يَحْنَثُ حتى يُحْصِنَها ويَحْجُبَها عن الناسِ؛ لأنَّ التَّسَرِّىَ مَأْخوذٌ من السِّرِّ. ولأصْحابِ الشافِعِىّ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ كهذه. ولَنا، أَنَّ التَّسَرِّىَ مَأْخُوذ من السِّرِّ، وهو الوَطْءُ؛ لأنَّه يكونُ فى السِّرِّ، قال اللَّه تعالى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (١٢). وقال الشاعر (١٣):

فلَنْ تَطْلُبُوا سِرَّها لِلْغِنَى ... ولَنْ تُسْلِمُوها لإِزْهادِهَا

وقال آخرُ (١٤):

أَلَا زَعَمَتْ بَسْباسَةُ القومِ أنَّنِى ... كَبِرْتُ وأنْ لا يُحْسِنُ السِّرَّ أمْثالى

ولأنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بالوَطْءِ لم يُعْتَبرْ فيه الإِنْزالُ ولا التَّحْصِينُ، كسائِرِ الأَحْكامِ.

فصل: إذا حَلَفَ لا يَهَبُ له، فأَهْدَى إليه، أو أعْمَره (١٥)، حَنِثَ؛ لأنَّ ذلك من أنْواعِ الهِبَةِ، وإِنْ أعطاهُ من الصَّدَقَةِ الواجِبَةِ، أو نَذْر أو كَفَّارَة، لم يَحْنَثْ؛ لأنَّ ذلك حَقٌّ للَّه تعالَى عليه، يَجبُ إخْراجُه، فليس هو بِهِبَةٍ منه، وإِنْ تَصَدَّقَ عليه تَطَوُّعًا، فقال القاضِى: يَحْنَثُ. وهو مَذْهَبُ الشافِعِىّ. وقال أبو الخَطَّاب: لا يَحْنَثُ. وهو قَوْلُ


(١٠) فى م: "بها".
(١١) فى الأصل، أ: "تزويج".
(١٢) سورة البقرة ٢٣٥.
(١٣) تقدم فى: ٩/ ٥٧٣.
(١٤) تقدم فى: ٩/ ٥٧٤.
(١٥) أعمره: جعله له طول عمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>