للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِحْبابِ ذلك رِوَايَتانِ. واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ أنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، إذا قَصَدَ به طَاعَةَ اللهِ تعالى، لا المُبَاهَاةَ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ ذلك أفْضَلُ العِبَادَاتِ، ونَفْعُهُ يَتَعَدَّى، فكان أَوْلَى من تَرْكِه كالصلاةِ. واحْتَجَّ أصْحَابُنا بأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَعْتَكِفُ، فلم يُنْقَلْ عنه الاشْتِغالُ بغيرِ العِبادَاتِ المُخْتَصَّةِ به، ولأنَّ الاعْتِكافَ عِبادَةٌ من شَرْطِهَا المسجِدُ، فلم يُسْتَحَبَّ فيها ذلك، كالطَّوافِ، وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بعِيادَةِ المَرْضَى، وشُهُودِ الجِنازَةِ، فعلى هذا القَوْلِ فِعْلُه لهذه الأفْعالِ أفْضَلُ من الاعْتِكافِ. قال المَرُّوذِىُّ: قلتُ لأبى عبدِ اللهِ: إنَّ رَجُلًا يَقْرَأُ (٥) فى المسجِدِ، وهو يُرِيدُ أن يَعْتَكِفَ، ولَعَلَّه أن يَخْتِمَ فى كُلِّ يَوْمٍ؟ فقال: إذا فَعَلَ هذا كان لِنَفْسِه، وإذا قَعَدَ فى المسجدِ كان له ولِغَيْرِه، يَقْرَأُ أحَبُّ إليَّ. وسُئِلَ: أيُّما أَحَبُّ إليك؛ الاعْتِكافُ، أو الخُرُوجُ إلى عَبَّادَانِ (٦)؟ قال: ليس بِعَدْلٍ، الجِهادُ عندى شىْءٌ. يَعْنِى أنَّ الخُرُوجَ إلى عبَّادَانَ أفْضَلُ من الاعْتِكافِ.

فصل: وليس من شَرِيعَةِ الإِسلامِ الصَّمْتُ عن الكلامِ، وظاهِرُ الأخْبارِ تَحْرِيمُه. قال قَيْسُ بن مسلم (٧): دَخَلَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِىَ اللهُ عنه، على امْرَأةٍ مِن أَحْمَسَ، يُقال لها زينبُ، فرَآهَا لا تَتَكَلَّمُ، فقال: ما لها لا تَتَكَلَّمُ؟ قالوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً. فقال لها: تَكَلَّمِى، فإنَّ هذا لا يَحِلُّ، هذا من عَمَلِ (٨) الجاهِلِيَّةِ. فتَكَلَّمَتْ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٩). ورَوَى أبو دَاوُدَ (١٠) بإسْنَادِه عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، قال: حَفِظْتُ عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: "لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى


(٥) فى أ، ب: "يقرى".
(٦) عبادان: تحت البصرة قرب البحر، وكانت رباطا. انظر: معجم البلدان ٣/ ٥٩٧، ٥٩٨.
(٧) كذا وَرَدَ، وفى البخارى أنه قيس بن أبي حازم. واسم أبي حازم حصين بن عَوْف. انظر: تهذيب التهذيب ٨/ ٣٧٦.
(٨) فى م: "أعمال".
(٩) فى: باب أيام الجاهلية، من كتاب مناقب الأنصار. صحيح البخارى ٥/ ٥٢.
(١٠) فى: باب ما جاء متى ينقطع اليتم، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود ٢/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>