وجملتُه أنَّ الحَاكِمَ إذا حَجَرَ على السَّفِيهِ، اسْتُحِبَّ أن يُشْهِدَ عليه، لِيُظْهِرَ أمْرَه، فتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُه. وإن رَأَى أَن يَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِى بذلك، لِيَعْرِفَهُ النّاسُ، فَعَلَ. ولا يُشْتَرَطُ الإِشْهَادُ عليه؛ لأنَّه قد يَنْتَشِرُ أمْرُه بِشُهْرَتِه، وحَدِيثِ الناسِ به. فإذا حُجِرَ عليه، فبَاعَ واشْتَرَى، كان ذلك فَاسِدًا، واسْتَرْجَعَ الحاكِمُ ما بَاعَ من مَالِه، ورَدَّ الثمنَ إن كان بَاقِيًا. وإن أتْلَفَهُ السَّفِيهُ، أو تَلِفَ فى يَدِه، فهو من ضَمَانِ المُشْتَرِى، ولا شىءَ على السَّفِيهِ. وكذلك ما أخَذَ من أمْوَالِ النّاسِ بِرِضَا أصْحَابِها، كالذى يَأْخُذُه بِقَرْضٍ أو شِرَاءٍ أو غيرِ ذلك، رَدَّهُ الحاكِمُ إن كان بَاقِيًا، وإن كان تَالِفًا، فهو من ضَمَانِ صَاحِبِه، عَلِمَ بالحَجْرِ عليه أو لم يَعْلَمْ؛ لأنَّه إن عَلِمَ فقد فَرَّطَ، بِدَفْعِ مَالِه إلى من حُجِرَ عليه، وإن لم يَعْلَمْ، فهو مُفَرِّطٌ إذا كان فى مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، هذا إذا كان صَاحِبُه قد سَلَّطَهُ عليه، فأمَّا إن حَصَلَ فى يَدِه باخْتِيَارِ صَاحِبِه مِن غيرِ تَسْلِيطٍ، كالوَدِيعَةِ والعَارِيَّةِ، فَاخْتَارَ القاضى أَنَّه يَلْزَمُه الضَّمَانُ إن أَتْلَفَه، أو تَلِفَ بِتَفْرِيطِه؛ لأنَّه أَتْلَفَه بغير اخْتِيَارِ صَاحِبِه، فأشْبَه ما لو كان القَبْضُ بغيرِ اخْتِيَارِه (١)، ويَحْتَمِلُ أنَّه لا يَضْمَنُ، لأنَّه عَرَّضَهَا لإِتْلَافِه، وسَلَّطَهُ عليها، فأشْبَهَ المَبِيعَ. وأمَّا مَا أخَذَهُ بغير اخْتِيَارِ صَاحِبِه، أو أَتْلَفَهُ، كالغَصْبِ والجِنَايَةِ، فعليه ضَمَانُه؛ لأنَّه لا تَفْرِيطَ من المالِكِ، لأنَّ الصَّبِيَّ والمَجْنُونَ لو فَعَلَا ذلك، لَزِمَهُما الضَّمَانُ، فالسَّفِيهُ أوْلَى. ومذهبُ الشَّافِعِيِّ فى هذا كلِّه كذلك.
فصل: والحُكْمُ فى الصَّبِيِّ والمَجْنُونِ، كالحُكْمِ فى السَّفِيهِ، فى وُجُوبِ الضَّمَانِ عليهما فيما أَتْلَفَاهُ من مَالِ غيرِهِما بغيرِ إذْنِه، أو غَصَبَاهُ فتَلِفَ فى أَيْدِيهِما، وانْتِفَاءِ الضَّمَانِ عنهما فيما حَصَلَ فى أيْدِيهِما بِاخْتِيَارِ صَاحِبِه وتَسْلِيطِه، كالثَّمَنِ
(١) فى حاشية الأصل بخط مغاير: "وهو مذهب أبي حَنِيفة، رضى اللَّه عنه".