للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو مَطَلَ غَرِيمَه الذي يُمْكِنُ إيفَاؤُه وصَلَّى. ولَنا، أنَّ الصَّلاةَ عِبَادَةٌ أَتَى بها على الوَجْهِ المَنْهِيِّ عنه، فلم تَصِحَّ، كصَلاةِ الحائِضِ وصَوْمِها، وذلك لأنَّ النَّهْىَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الفِعْلِ، واجْتِنَابَه، والتَّأْثِيمَ بفِعْلِه، فكيف يكون مُطِيعًا بما هو عاصٍ به، مُمْتَثِلًا بما هو مُحَرَّمٌ عليه، مُتَقَرِّبًا بما يَبْعُدُ به، فإنَّ حَرَكَاتِه (٣٩) من القِيَامِ والرُّكُوعِ والسُّجُودِ أفْعَالٌ اخْتِيارِيَّةٌ، هو عاصٍ بها مَنْهِيٌّ عنها. فأمَّا من رَأَى الحَرِيق فليسَ بمَنْهِيٍّ عن الصَّلاةِ، إنَّما هو مَأْمُورٌ بإطْفَاءِ الحَرِيقِ، وإنْقَاذِ الغَرِيقِ، وبالصَّلَاةِ، إلّا أنَّ أحَدَهما آكَدُ من الآخَرِ، أمَّا في مَسْأَلَتِنا فإنَّ أفْعَالَ الصَّلاةِ في نَفْسِها مَنْهِيٌّ عنها. إذا ثَبَتَ هذا فلا فَرْقَ بين غَصْبِه لِرَقَبةِ الأَرْضِ بأَخْذِهَا، أو دَعْوَاهُ مِلْكِيَّتَها، وبين غَصْبِه مَنَافِعَها، بأنْ يَدَّعِيَ إجَارَتَها ظَالِمًا، أو يَضَعَ يَدَه عليها لِيَسْكُنَها مُدَّةً أو يُخْرِجَ رَوْشَنًا (٤٠) أو سَابَاطًا في مَوْضِعٍ لا يَحِلُّ له، أو يَغْصِبَ رَاحِلَةً ويُصَلِّيَ عليها، أو سَفِينَةً ويُصَلِّىَ فيها، أو لَوْحًا فَيَجْعَلَهُ في سَفِينَةٍ ويُصَلِّيَ عليه، كلُّ ذلك حُكْمُه في الصَّلَاةِ حُكْمُ الدَّارِ، على ما بَيَّنَّاه.

فصل: قال أحمدُ، رَحِمَه اللهُ: تُصَلَّى الجُمُعَةُ في المَوْضِعِ الغَصْبِ. يَعْنِى لو كان الجامِعُ أو مَوْضِعٌ منه مَغْصُوبًا، صَحَّتِ الصَّلاةُ فيه؛ لأنَّ الجُمُعَةَ تَخْتَصُّ بِبُقْعَةٍ، فإذا صَلَّاها الإِمامُ في المَوْضِعِ المَغْصُوبِ، فامْتَنَعَ الناسُ من الصَّلاةِ فيه، فاتَتْهُم الجُمُعَةُ، وإن امْتَنَعَ بَعْضُهُم، فاتَتْهُ الجُمُعَةُ، ولذلك أُبِيحَتْ خَلْفَ الخَوَارِجِ والمُبْتَدِعَةِ، وكذلك تَصِحُّ في الطُّرُقِ ورِحَابِ المَسْجِدِ، لِدُعَاءِ الحَاجَةِ إلى فِعْلِها في هذه المَوَاضِع، وكذلك في الأعْيَادِ والجِنَازَةِ.

فصل: قال أحمدُ، رَحِمهُ اللهُ: أكْرَهُ الصَّلاةَ في أرْضِ الخَسْفِ؛ وذلك لأنها مَوْضِعٌ مَسْخُوطٌ عليه. وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأصْحَابِه يَوْمَ مَرُّوا بالحِجْر (٤١): "لا


(٣٩) في م زيادة: "وسكناته".
(٤٠) الروشن: الكوة.
(٤١) الحجر: اسم ديار ثمود بوادى القرى، بين المدينة والشام. معجم البلدان ٢/ ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>