للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُونَ يَتَامَى قبل البُلُوغِ. والثانى، أَنَّه مَدَّ اخْتِبَارَهم إلى البُلُوغِ بِلَفظَةِ: {حَتَّى}، فدَلَّ (٨) على أن الاخْتِبَارَ قَبْلَه، ولأنَّ تَأخِيرَ الاخْتِبَارِ إلى البُلُوغِ مُؤَدٍّ إلى الحَجْرِ على البالِغ الرَّشِيدِ؛ لأنَّ الحَجْرَ يَمْتَدُّ إلى أن يُخْتَبَرَ ويُعْلَمَ رُشْدُه، واخْتِبَارُه قَبْل البُلُوغِ يَمْنَعُ ذلك، فكان أَولَى. لكن لا يُختَبَرُ إلَّا المُرَاهِقُ المُمَيِّزُ، الَّذى يَعْرِفُ اليَيْعَ والشِّرَاءَ. والمَصْلَحَةَ من المَفْسَدَةِ. ومتى أَذِنَ له وَلِيُّه فتَصَرَّفَ، من تَصَرُّفُه، علي ما ذَكَرْنا فيما مَضَى. وقد أوْمَأ أحمدُ فى مَوْضِعٍ إلى اخْتِبَارِه بعد البُلُوغِ؛ لأنَّ تَصَرُّفَه قَبْلَ ذلك تَصَرُّفٌ مِمَّنْ لم يُوجَدْ فيه مَظِنَّةُ العَقْلِ. وقد اخْتَلَفَ أصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فى وَقْتِ الاخْتِبَارِ على نَحْوِ ما ذَكَرنا فيما مَضَى من الرِّوَايَتَيْنِ.

٨١٣ - مسألة؛ قال: (فَإنْ عَاوَدَ السَّفَهَ، حُجِرَ عَلَيْهِ)

وجُمْلَتُه، أنَّ المَحْجُورَ عليه إذا فُكَّ عنه الحَجْرُ لِرُشْدِه وبُلُوغِه، ودُفِعَ إليه مَالُه، ثمَّ عَادَ إلى السَّفَهِ، أُعِيدَ عليه الحَجْرُ. وبهذا قال القاسِمُ بن محمدٍ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ، والأوْزَاعِيُّ، وإسحاقُ، [وأبو ثَوْرٍ] (١)، وأبو عُبَيْدٍ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُبْتَدَأُ الحَجْرُ على بَالِغٍ عَاقِلٍ، وتَصَرُّفُه نَافِذٌ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ سِيرِينَ، والنَّخَعيِّ؛ لأنَّه حُرٌّ مُكَلَّفٌ، فلا يُحْجَرُ عليه كالرَّشِيدِ. ولَنا، إجْمَاعُ الصَّحابةِ، ورَوَى عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، أنَّ عبدَ اللَّه بنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ بَيْعًا، فقال عَلِيٌّ رَضِىَ اللَّه عنه: لآتِيَنَّ عثمانَ لِيَحْجُرَ عليكَ. فأتَى عبدُ اللَّه بنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ، فقال: قد ابْتَعْتُ يَيْعًا، وإنَّ عَلِيًّا يُرِيدُ أن يَأْتِىَ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عثمانَ، فيَسْأَلَه الحَجْرَ عَلَيَّ. فقال الزُّبَيْرُ: أنا شَرِيكُكَ فى البَيْعِ. فأتَى عَلِيٌّ عثمانَ، فقال: إنَّ ابنَ جَعْفَرٍ قد ابْتَاعَ بَيْعَ كذا، فَاحْجُرْ عليه. فقال الزُّبَيْرُ: أنا شَرِيكُه فى البَيْعِ. فقال عثمانُ: كيف أحْجُرُ على رَجُلٍ شَرِيكُه الزُّبَيْرُ؟ . قال أحمدُ: لم أسْمَعْ هذا إلَّا من


(٨) فى الأصل: "فيدل".
(١) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>