للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وإن مَنَعَهُ المالِكُ فَرْشَهُ، أو رَدَّهُ وطَلَبَ الغاصِبُ ذلك، وكان في رَدِّه غَرَضٌ من إِزَالَةِ ضَرَرٍ، أو ضَمَانٍ، فله فَرْشُه ورَدُّه، وعليه أجْرُ مِثْلِها مُدَّةَ شَغْلِها وأجْرُ نَقْصِها. وإن أخَذَ تُرَابَ أَرْضٍ، فضَربَه (١٢) لِبِنَاءٍ، رَدَّ، ولا شيءَ له، إلَّا أن يكونَ قد جَعَلَ فيه تِبْنًا له، فيكونَ له أن يَحُلَّهُ ويَأْخُذَ تِبْنَهُ. وإن كان لا يَحْصُلُ منه شيءٌ، ففيه وَجْهانِ، بِنَاءً على كَشْطِ التَّزْويقِ إذا لم يكُنْ [له قِيمَةٌ. وإن طَالَبَهُ المالِكُ بحَلِّه، لَزِمَهُ ذلك إذا كان فيه غَرَضٌ، وإن لم يكُنْ] (١٣) فيه غَرَضٌ، فعلى وَجْهَيْنِ. وإن جَعَلَهُ آجُرًّا أو فَخَّارًا، لَزِمَهُ رَدُّه، ولا أجْرَ له لِعَمَلِه، وليس له كَسْرُهُ، ولا لِلْمالِكِ إجْبَارُه عليه؛ لأنَّ ذلك سَفَهٌ لا يُفِيدُ، وإِتْلَافٌ لِلْمالِ، وإِضَاعَةٌ له، وقد نَهَى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إِضَاعةِ المالِ (١٤).

فصل: وإن غَصَبَ أَرْضًا، فحَفَرَ فيها بِئْرًا فطَالَبَهُ المالِكُ بِطَمِّهَا، لَزِمَهُ ذلك؛ لأنَّه يَضُرُّ بالأَرْضِ، ولأنَّ التُّرَابَ مِلْكُه، نَقَلَهُ من مَوْضِعِه، فلَزِمَهُ رَدُّه، كتُرَابِ الأَرْضِ. وكذلك إن حَفَرَ فيها نَهْرًا، أو حَفَرَ بِئرًا في مِلْكِ رَجُلٍ بغير إِذْنِه. وإن أرَادَ الغاصِبُ طَمَّهَا، فمَنَعَهُ المالِكُ، نَظَرْنَا؛ فإن كان له غَرَضٌ في طَمِّها، بأن يَسْقُطَ عنه ضَمَانُ ما يَقَعُ فيها، أو يكونَ قد نَقَلَ تُرَابها إلى مِلْكِ نَفْسِه، أو مِلْكِ غيرِه، أو طَرِيقٍ يَحْتاجُ إلى تَفْرِيغِه، فله الرَّدُّ؛ لما فيه من الغَرَضِ. وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وإن لم يكُنْ له غَرَضٌ في طَمِّ البِئْرِ، مثل أن يكونَ قد وَضَعَ التُّرَابَ في مِلْكِ المَغْصُوبِ منه، وأَبْرَأَهُ المَغْصُوبُ منه ممَّا حَفَرَ، وأَذِنَ فيه، لم يكُنْ له طَمُّهَا، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّه إتْلَافٌ لا نَفْعَ فيه، فلم يكُنْ له فِعْلُه, كما لو غَصَبَ نُقْرَةً، فطَبَعَها دَرَاهِمَ، ثم أرَادَ جَعْلَها نُقْرَةً. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والمُزَنِيُّ، وبعضُ الشَّافِعِيَّةِ. وقال بعضُهم: له طَمُّها. وهو الوجْهُ الثانِي لَنا؛ لأنَّه لا يَبْرَأُ من الضَّمَانِ بإِبْرَاءِ المالِكِ، لأنَّه إِبْرَاءٌ ممَّا لم يَجِبْ بعدُ، وهو أيضًا إِبْرَاءٌ من


(١٢) في ب، م: "فضرب به".
(١٣) سقط من: الأصل. نقل نظر.
(١٤) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>