للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنكَرَ لم يُسْتَحْلَفا؛ لأنَّ إحْلافَهما يُطَرِّقُ (٣٩) عليهما الدَّعاوَى فى الشَّهادةِ والامْتهان، ورُبَّما مَنَعَ ذلك إقامَةَ الشَّهادةِ. وهذا قولُ الشَّافعىِّ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا.

١٨٦٩ - مسألة؛ قال: (وَإذَا شَهِدَ عِنْدَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ، سَأَلَ عَنْهُ، فَإنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ، قَبِلَ شَهَادَتَهُ)

وجملتُه أنَّه إذا شَهِدَ عندَ الحاكمِ شاهدانِ، فإنْ عَرَفهما عَدْلَيْنِ، حكمَ بشَهادتِهما، وإنْ عَرَفَهما فاسِقيْنِ، لم يَقْبَلْ قَوْلَهما، وإن لم يَعْرِفْهُما، سألَ عنهما؛ لأنَّ مَعْرِفةَ العَدالةِ شَرْطٌ فى قَبُولِ الشَّهادةِ بجميعِ الحُقوقِ. وبهذا قال الشَّافعىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وعن أحمدَ، رِوايةٌ أُخْرَى: يَحْكُمُ بشَهادَتِهما إذا عَرَفَ إسْلامَهما، بظاهرِ الحالِ، إلَّا أنْ يقولَ الخَصْمُ: هما فاسِقان. وهذا قولُ الحسنِ. والمالُ والحَدُّ فى هذا سَواءٌ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ مِن المسلمين العَدالةُ، ولهذا قال عمرُ، رضىَ اللهُ عنه: المُسلمون عُدُولٌ بَعْضُهم على بعضٍ (١). ورُوى، أنَّ أعْرابيًّا جاءَ إلى النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فشَهِدَ برُؤْيَةِ الهلالِ، فقال له (٢) النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أتَشْهَدُ أنْ لَا إِلهَ إلَّا اللهُ؟ ". فقال: نعم. فقال: "أتشْهَدُ أنِّى رَسُولُ اللهِ؟ ". قال: نعم: فصامَ، وأمرَ الناسَ بالصِّيَامِ (٣). ولأنَّ العَدالةَ أمرٌ خَفِىٌّ، سَبَبُها الخوفُ من اللهِ تعالى، ودَليلُ ذلك الإسلامُ، فإذا وُجِدَ، فلْيَكْتَفِ به، ما لم يَقُمْ على خِلافِه دليلٌ. وقال أبو حنيفةَ فى الحُدودِ والقصاص كالرِّوايةِ الأُولَى، وفى سائرِ الحقوقِ كالثانيةِ؛ لأنَّ الحُدودَ والقِصاصَ ممَّا يُحْتاطُ لهما (٤)، وتَنْدَرِئُ بالشُّبُهاتِ، بخلافِ غيرِهما (٥). ولَنا، أنَّ العَدالةَ شَرْطٌ، فوجبَ العلمُ بها، كالإسلامِ، وكما (٦) لو طَعنَ الخَصْمُ فيهما. فأمَّا الأعْرابىُّ المسلمُ، فإنَّه كان من أصحابِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ثَبتَتْ عَدالتُهم بثَناءِ اللهِ


(٣٩) يطرِّق عليهما: يَجُرُّ عليهما.
(١) تقدم تخريجه، فى: ١٣/ ١٩٣.
(٢) سقط من: ب.
(٣) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٤١٧.
(٤) فى ب، م: "لها".
(٥) فى ب، م: "غيرها".
(٦) فى ب، م: "أو كما".

<<  <  ج: ص:  >  >>