للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ولا يجوزُ أن يُقَلِّدَ القضاءَ لواحدٍ على أن يَحكمَ بمذهبٍ بعَيْنِه. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ. ولم (٣٧) أعلمْ فيه خلافًا، لأنَّ اللهَ تعالى قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (٣٨). والحقُّ لا يَتَعَيَّنُ فى مذهبٍ، وقد يَظْهَرُ له الحقُّ فى غيرِ ذلك المذهبِ. فإن قَلَّدَه على هذا الشَّرْطِ، بطَلَ الشرطُ، وفى فسادِ التَّوْلِيَةِ وَجْهان، بِناءً على الشُّروطِ الفاسدةِ فى البيعِ.

فصل: وإن فَوَّضَ الإمامُ إلى إنسانٍ تَوْلِيةَ القضاءِ جاز؛ لأنَّه يجوزُ أن يَتَوَلَّى ذلك، فجاز له التَّوكيلُ فيه، كالبيعِ. وإن فوَّضَ إليه اخْتيارَ قاضٍ، جاز، ولا يجوزُ له اختيارُ نفسِه، ولا والدِه، ولا وَلَدِه، كما لو وكَّلَه فى الصَّدقةِ بمالٍ، لم يجُزْ له أخْذُه، ولا دَفْعُه إلى هذين. ويَحْتَمِلُ أن (٣٩) يجوزَ له اخْتيارُهما، إذا كانا صالِحَيْنِ للوِلايِة؛ لأنَّهما يَدْخُلانِ فى عُمومِ مَن أذِنَ له فى الاخْتيارِ منه، مع أهْلِيَّتِهما، فأشْبَها الأجانِبَ.

فصل: وليس للحاكمِ أن يَحْكمَ لنفسِه، كما لا يجوزُ أن يَشْهدَ لنفسِه، فإن عَرَضَتْ له حُكومةٌ مع بعض الناسِ، جاز أن يُحاكِمَه إلى بعض خُلَفائه، أو بعضِ رَعِيَّتِه؛ فإنَّ عمرَ حاكمَ أُبيًّا إلى زيدٍ (٤٠)، وحاكمَ رجلًا عِراقيًّا إلى شُرَيْحٍ (٤١)، وحاكمَ علىٌّ اليَهودىَّ إلى شُريحٍ (٤٠)، وحاكمَ عثمانُ طَلْحةَ إلى جُبَيْرِ بنِ مُطعِمٍ (٤١)، وإن عَرَضَتْ حُكومةٌ لوالديْه، أو وَلَدِه، أو مَن لا تُقْبَلُ شهادتُه له (٤٢)، ففيه وَجْهان، أحدهما، لا يجوزُ له الحُكْمُ فيها بنَفْسِه، وإنْ حَكَمَ (٤٣)، لم يَنْفُذْ حُكْمُه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ؛ لأنَّه لا تُقبَلُ شَهادتُه له، فلم يَنْفُذْ حكمُه له كنَفْسِه. والثانى، يَنْفُذُ حكمُه. اخْتارَه أبو بكرٍ، وهو قول أبى يوسفَ، وابنِ المُنْذِرِ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه حُكمٌ لغيرِه، أشْبَهَ الأجانبَ. وعلى القولِ


(٣٧) فى م: "ولا".
(٣٨) سورة ص ٢٦.
(٣٩) فى ب، م: "أنه".
(٤٠) تقدم التخريج، فى صفحة ٣٩.
(٤١) لم نجده، وانظر الإرواء ٨/ ٢٣٩.
(٤٢) سقط من: ب.
(٤٣) فى م زيادة: "له".

<<  <  ج: ص:  >  >>