للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عادِمَتُه. وقد تَوَقَّف أحمدُ عن هذه المَسْأَلةِ. وقال ابنُ أبي موسى: تَتَيَمَّمُ، ولا إعَادَةَ عليها في أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ. والصَّحِيحُ أنَّها تَتَيَمَّمُ، ولا إعَادَةَ عليها، وَجْهًا واحِدًا، بل لا يَحِلُّ لها المُضِىُّ إلى الماءِ؛ لما فيه مِن التَّعَرُّضِ لِلزِّنَا، وهَتْكِ نَفْسِها وعِرْضِها، وتَنْكِيسِ رُءُوسِ أهْلِها، ورُبَّما أَفْضَى إلى قَتْلِها، وقد أُبِيحَ لها التَّيَمُّمُ حِفْظًا لِلْقَلِيلِ مِنْ مَالِها، المُبَاحِ لها بَذْلُهُ، وحِفْظًا لِنَفْسِها مِنْ مَرَضٍ أو تَبَاطُؤِ بُرْءٍ، فههُنا أَوْلَى. ومَنْ كان في مَوْضِعٍ عندَ رَحْلِه، فخافَ إنْ ذَهَبَ إلى الماءِ ذَهَبَ شَىْءٌ مِنْ رَحْلِه، أو شَرَدَتْ دَابَّتُه، أو سُرِقَتْ، أو خَافَ على أهْلِهِ لِصًّا، أو سَبُعًا، خَوْفًا شَدِيدًا، فهو كالعَادِمِ. ومَنْ كان خَوْفُه جُبْنًا، لا عن سَبَبٍ يُخَافُ مِنْ مِثْلِهِ، لم تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بالتَّيَمُّمِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رجُلٍ يَخَافُ بِاللَّيْلِ، وليس شَىْءٌ يُخَافُ منهُ، قال: لا بُدَّ مِنْ أنْ يَتَوَضَّأَ. ويَحْتَمِلُ أنْ تُبَاحَ له بالتَّيَمُّمِ، ويُعِيدَ إذا كان مِمَّنْ يَشْتَدُّ خوفُهُ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ الخائِفِ لِسَبَبٍ. ومَنْ كان خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ، فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْل مَنْ رَأَى سَوَادًا باللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَتَبَيَّنَ له أنَّه ليس بِعَدُوٍّ، أو رَأَى كَلْبًا فَظَنَّهُ أَسَدًا أو نَمِرًا، فَتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم بانَ خِلَافُه، فهل يَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ؟ على وَجْهَيْنِ: أحدهما؛ لا يَلْزَمُهُ الإِعادُة؛ لأنَّه أَتَى بما أُمِرَ به، فَخَرَجَ عن عُهْدَتِه. والثانى؛ يَلْزَمُه الإِعادةُ؛ لأنَّه تَيَمَّمَ مِنْ غيرِ سَبَبٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فأَشْبَهَ مَنْ نَسِىَ الماءَ في رَحْلِه، وتَيَمَّمَ.

فصل: ومَنْ كان مَرِيضًا لا يَقْدِرُ على الحَرَكَةِ، ولا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الماءَ، فهو كالعَادِمِ. قالَه ابنُ أبي موسى. وهو قَوْلُ الحسن؛ لأنَّه لا سَبِيلَ له إلى الماءِ فأَشْبَهَ مَنْ وَجَدَ بِئْرًا ليس له ما يَسْتَقِى به منها. وإن كان له مَنْ يُنَاوِلُه الماءَ قبلَ خُرُوجِ الوَقْتِ، فهو كالواجِدِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ مَنْ يَجِدُ ما يَسْتَقِى به في الوَقْتِ. وإنْ خَافَ خُرُوجَ الوَقْتِ قبلَ مَجِيئهِ، فقال ابنُ أبي موسى: له التَّيَمُّمُ، ولا إعادةَ عليه. وهو قَوْلُ الحسنِ؛ لأنَّه عادِمٌ في الوَقْتِ، فأشْبَهَ العادِمَ مُطْلَقًا، ويَحْتَمِلُ أنْ يَنْتَظِرَ مَجِىءَ مَنْ يُنَاوِلُه؛ لأنَّه حاضِرٌ يَنْتَظِرُ حُصُولَ الماءِ قَرِيبًا، فأشْبَهَ المُشْتَغِلَ باسْتِقَاءِ الماءِ وتَحْصِيلِهِ.

فصل: إذا وَجَدَ بِئْرًا، وقَدَرَ على التَّوَصُّلِ إلى مائِها بالنُّزُولِ مِنْ غيرِ ضَرَرٍ، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>