للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك عن أحمد روايتان. ووَجْهُ (٣٣) الأوَّل، أنَّ الاسْتيلاءَ سَبَبٌ للمِلْك، فيَثْبُتُ قبلَ الحِيازَةِ إلى الدَّارِ، كاسْتيلاءِ المسلمين على مالِ الكُفَّارِ، ولأنَّ ما كان سببًا للمِلْك، أثْبَتَه حيثُ وُجِدَ، كالهِبَةِ والبَيْعِ. وفائِدَةُ الخلافِ فى ثُبُوتِ المِلْكِ وعَدَمِه، أنَّ مَنْ أَثْبَتَ المِلْكَ للكُفَّارِ فى أموالِ المسلمين، أباحَ للمسلمين إذا ظَهرُوا عليها قِسْمَتَها، والتَّصَرُّفَ فيها، ما لَمْ يعلمُوا صاحِبَها، وأنَّ الكافِرَ إذا أسْلَمَ وهى فى يَدِه، فهو أحَقُّ بها. ومَنْ لم يُثْبِتِ المِلْكَ، اقَتَضَى مذهبُه عَكْسَ ذلك. واللَّه أعلمُ.

فصل: ولا أعْلَمُ خلافًا فى أنَّ الكافِرَ الْحَرْبِىَّ، إذا أَسْلَمَ، أو دَخَلَ إلينا (٣٤) بأمانٍ، بعدَ أن اسْتَولَى على مالِ مسلمٍ فأَتْلَفَه، أنَّه لا يَلْزَمُه ضَمانُه. وإنْ أسْلَمَ وهو فى يَدِه، فهو له، بغَيْرِ خلافٍ فى المذْهَبِ؛ لقَوْلِ رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَىْءٍ، فَهُوَ لَهُ" (٣٥). وإنْ كان أخَذَه من المُستَوْلىِ عليه بِهِبَةٍ أو سَرِقَةٍ أو شراءٍ، فكذلك؛ لأنَّه اسْتَوْلَى عليه فى حالِ كُفْرِه، فأشْبَهَ ما لو (٣٦) اسْتَوْلَى عليه (٣٧) بِقَهْرِه للمسلِمِ. وعن أحمد، أنَّ صاحِبَه يكونُ أحقَّ به بالقِيمَةِ. وإن اسْتَوْلَى على جارِيَةِ مُسْلِم فاسْتَوْلَدَها، ثم أَسْلَم، فهى له، وهى أمُّ ولدٍ له. نَصَّ عليه أحمد؛ لأنَّها مالٌ، فأشْبَهَتْ سائِرَ الأموالِ. وإنْ غَنِمَها المسلمون وأولادَها قبلَ إسْلامِ سَابِيها، فعُلِمَ صاحِبُها، رُدَّت إليه، وكان أولادُها غَنِيمةً؛ لأنَّهم أولادُ كافِرٍ حَدَثُوا بعدَ مِلْكِ الكافِرِ لها.

فصل: وإن استَوْلَوْا على حُرٍّ، لم يَمْلِكُوه، سواءٌ كان مسلمًا أو ذِمِّيًّا. لا أعلمُ فى هذا خلافًا؛ لأنَّه لا يُضْمَنُ بالقِيمةِ، ولا يثْبُتُ عليه يَدٌ بحالٍ، وكلُّ ما يُضْمَنُ بالقِيمةِ يَمْلكُونَه بالقَهْرِ، كالعُرُوضِ، والعَبْدِ القِنِّ، والمُدَبَّرِ، والمُكاتَبِ، وأُمِّ الولَدِ. وقال أبو حنيفة: لا يَمْلِكون المُكاتَبَ وأُمَّ الولدِ؛ لأَنهما لا يجوزُ نقلُ المِلْكِ فيهما، فهما كالحُرِّ. ولَنا، أنَّهما يُضْمَنان بالقِيمةِ، فيَمْلكُونَهما، كالعَبْدِ القِنِّ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَمْلِكُوا المُكاتَبَ دونَ


(٣٣) سقطت الواو من: الأصل، أ، ب.
(٣٤) سقط من ا، ب.
(٣٥) أخرجه البيهقى، فى: باب من أسلم على شىء فهو له، من كتاب السير. السنن الكيرى ٩/ ١١٣.
(٣٦) سقط من: أ، ب، م.
(٣٧) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>