للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قَضَى صَلاتَه قالُوا: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ كأَنَّك خَفَضْتَ من صَوْتِكَ: قال: ما سَمِعْتُمْ؟ قالوا: ما سَمِعْنا لك قِرَاءةً. قال: فما قَرَأْتُ في نَفْسِى، شَغَلَنِى (٩) عِيرٌ جَهَّزْتُها إلى الشَّامِ. ثم قال: لا صَلاةَ إلا بِقِرَاءةٍ. قال (١٠) ثم أقَامَ، فأعَادَ وأعادَ النَّاسُ (١١). والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، لمَّا طُعِنَ وهو في الصَّلاةِ، أخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرحمنِ بن عَوْفٍ فقَدَّمَهُ، فأتَمَّ بهم الصَّلاةَ، ولو فَسَدَتْ صَلاتُهُم لَلَزمَهُم اسْتِئْنَافُها، ولا يَصِحُّ القِيَاسُ على تَرْكِ الشَّرُطِ؛ لأنَّ الشَّرْطَ آكَدُ، بِدَلِيلِ أنَّه لا يُعْفَى عنه بالنِّسْيَانِ، بِخِلافِ المُبْطِل.

فصل: إذا سَبَقَ الإِمامَ الحَدَثُ فله أن يَسْتَخْلِفَ من يُتِمُّ بهم الصَّلاةَ، رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعليٍّ، وعَلْقَمَةَ، وعَطَاءٍ، والحسنِ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِيِّ، والأوْزَاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن أحمدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أنَّ صَلاةَ المَأْمُومِينَ تَبْطُلُ؛ لأنَّ أحمدَ قال: كنتُ أذْهَبُ إلى جَوَازِ الاسْتِخْلافِ، وجَبُنْتُ عنه. وقال أبو بكرٍ: تَبْطُلُ صَلاتُهم، رِوَايةً واحِدَةً؛ لأنَّه فُقِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلاةِ في حَقِّ الإِمَامِ، فبَطَلتْ صَلاةُ المأْمُومِ، كما لو تَعَمَّدَ الحَدَثَ. ولَنا، أنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، لما طُعِنَ أخَذَ بِيَدِ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ فقَدَّمَه، فأتَمَّ بهم الصَّلاةَ، وكان ذلك بِمَحْضرٍ من الصَّحابةِ وغيرِهم ولم يُنْكِرْه مُنْكِرٌ، فكان إجْمَاعًا. وقد احْتَجَّ أحمدُ بقولِ عمرَ وعليٍّ، وقَوْلُهما عندَه حُجَّةٌ، فلا مَعْدِلَ عنه. وقولُ أحمدَ: جَبُنْتُ عنه. إنَّما يدُلُّ على التَّوقُّفِ، وتَوَقُّفُه مَرَّةً لا يُبْطِلُ ما انْعَقَدَ الإِجْماعُ عليه. وإذا ثَبَتَ هذا فإنَّ لِلإِمَامِ أن يَسْتَخْلِفَ مَن يُتِمُّ بهم الصَّلاةَ، كما فَعَلَ عمرُ، رَضِىَ اللهُ عنه. وإن لم يَسْتَخلِفْ فقَدَّمَ المأْمُومُونَ منهم رَجُلًا فأتَمَّ بهم، جَازَ. وإن صَلُّوا وُحْدَانًا جازَ. قال


(٩) في أ، م: "شغلتنى".
(١٠) سقط من: م.
(١١) أخرجه البيهقى، في: باب من سها عن القراءة، وباب من قال تسقط القراءة عن من نسى ومن قال لا تسقط، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى ٢/ ٣٤٧، ٣٨١، ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>