للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعِوَضٍ إنَّما أبِيحَت فى ثلاثَةِ أشياء دونَ غيرِها؛ لأنَّها آلاتُ (٢) الجِهاد، فأُبِيحَ أخْذُ الرّهْنِ فى المُسابقَةِ بها، تَحْرِيضًا على رِياضَتِهَا، وتَعَلُّمِ الإتْقانِ فيها، ولا يُزادُ على سَهْمِ البِرْذَوْنِ؛ لأنَّه دُونَه، ولا يُسْهَمُ له إلَّا أنْ يشهدَ الوَقْعةَ عليه، ويكونَ ممَّا يُمْكِنُ القتالُ عليه، فأمَّا هذه الإبلُ الثَّقِيلةُ، التى لا تصلُحُ إلَّا للحَمْلِ، فلا يَسْتحِقُّ راكبُها شيئًا؛ لأنَّها لا تَكِرُّ ولا تَفِرُّ، فراكِبُها أدْنَى حالًا (٣) من الرَّاجِلِ. واختارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه لا يُسْهَمُ له بحالٍ. وهو قولُ أكثَرِ [أهلِ العِلْمِ] (٤). قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَنْ أَحفَظُ عنه من أهلِ العِلْم، أنَّ مَنْ غَزَا على بَعِيرٍ، فله سَهْمُ راجِلٍ. كذلك قال الحسَنُ، ومَكْحُولٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافِعِىُّ، وأصحابُ الرّأْىِ. وهذا هو الصحيحُ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُنْقَلْ عنه أنَّه أسْهَمَ لغيرِ الخيلِ من الْبَهائِمِ، وقد كان معه يومَ بَدْرٍ سبعون بعيرًا، ولم تخْلُ غَزاةٌ من غَزَواتِه من الإِبلِ، بل هى كانت غالِبُ دَوَابِّهم، فلم يُنْقَلْ عنه (٥) أنَّه أسْهَمَ لها، ولو أسْهَمَ لها لنُقِلَ، وكذلك مَنْ بَعْدَ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِن خُلَفائِه وغيرِهم، مع كثرِةِ غَزَواتِهم، لم يُنْقَلْ عن أحَدٍ منهم فيما عَلِمْناه أنَّه أسْهَمَ لبعيرٍ، ولو أسْهَمَ لبعيرٍ (٦) لم يَخف ذلك؛ ولأنَّه لا يَتَمَكَّنُ صاحبُه من الكَرِّ والفرِّ، فلم يُسْهَمْ له، كالبغلِ والحمارِ.

فصل: وما عَدَا الخيلَ والإبلَ، من البغَالِ والحميرِ (٧) والفِيَلَةِ وغيرِها، لا يُسْهَمُ (٨) لها، بغيرِ خلافٍ، وإنْ عَظُمَ غَناؤُها، وقامَتْ مَقامَ الخَيْلِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُسْهِمْ لها، ولا أَحَدٌ من خُلَفائِه، ولأنَّها ممَّا لا تجوزُ المُسابَقَةُ عليه بعِوَضٍ، فلم يُسْهَمْ لها، كالبقرِ.

فصل: ويَنْبَغِى للإِمامِ أنْ يتَعاهدَ الخيلَ عندَ دُخولِ الحَرْبِ، فلا يُدْخِلْ إلَّا


(٢) فى أ: "آلة".
(٣) فى م: "حال".
(٤) فى م: "الفقهاء".
(٥) سقط من: الأصل، أ.
(٦) فى أ: "له".
(٧) فى أ: "والحمار".
(٨) فى أ: "سهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>