للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَرْضِ لِلزَّرْعِ. ولا يَصِيرُ المُعِيرُ ضَامِنًا لِلدَّيْنِ. وقال الشّافِعِىُّ، في أحدِ قَوْلَيْه: يَصِيرُ ضَامِنًا له (٣٢) في رَقَبَةِ عَبْدِه؛ لأنَّ العَارِيَّةَ ما يُسْتَحَقُّ به مَنْفَعَةُ العَيْنِ، والمَنْفَعَةُ ههُنا لِلْمَالِكِ، فدَلَّ على أنَّه ضَمَانٌ. ولَنا، أنَّه أعَارَهُ لِيَقْضِىَ منه حَاجَتَهُ، فلم يكُنْ ضَامِنًا، كسَائِرِ العَوَارِى، وإنَّما يَسْتَحِقُّ بالعَارِيَّةِ النَّفْعَ المَأْذُونَ فيه، وما عَداهُ من النَّفْعِ فهو لِمَالِكِ العَيْنِ. وإن عَيَّنَ المُعِيرُ قَدْرَ الدَّيْنِ الذي يَرْهَنُه به وجِنْسَه، أو مَحلًّا، تَعَيَّنَ؛ لأنَّ العارِيَّةَ تَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ، فإن خَالَفَه في الجَنْسِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه عَقْدٌ لم يَأْذَنْ له فيه، أشْبَهَ ما لو لم يَأْذَنْ في رَهْنِه. وكذلك إذا أَذِنَ له في مَحلٍّ، فخَالَفَهُ فيه؛ لأنَّه إذا أَذِنَ له في رَهْنِه بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فرَهَنَهُ بِحَالٍّ، فقد لا يَجِدُ ما يَفُكُّه به في الحال، وإن أَذِنَ في رَهْنِه بحَالٍّ، فرَهَنَهُ بمُؤَجَّلٍ، فلم يَرْضَ أن يُحَالَ بينه وبين عَبْدِه إلى أجَلٍ، لم يَصِحَّ. وإن رَهَنَهُ بأَكْثَرَ ممَّا قَدَّرَه له، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ مَن رَضِىَ بِقَدْرٍ من الدَّيْنِ لم (٣٣) يَلْزَمْ أن يَرْضَى بأَكْثَرَ منه. وإن رَهَنَهُ بأَنْقَصَ منه، جَازَ؛ لأنَّ مَن رَضِىَ بعَشَرَةٍ, رَضِىَ بما دُونَها عُرْفًا، فأَشْبَهَ من أُمِرَ بِشِرَاءِ شيءٍ بِثَمَنٍ، فاشْتَرَاهُ بدُونِه. ولِلْمُعِيرِ مُطَالَبَةُ الرَّاهِنِ بِفَكَاكِ الرَّهْنِ في الحالِ، سواءٌ كان بِدَيْنٍ حَالٍّ أو مُؤَجَّلٍ؛ لأنَّ لِلْمُعِيرِ الرُّجُوعَ في العَارِيَّةِ متى شَاءَ. وإن حَلَّ الدَّيْنُ، فلم يَفُكَّه الرَّاهِنُ، جَازَ بَيْعُه في الدَّيْنِ؛ لأنَّ ذلك مُقْتَضَى الرَّهْنِ، فإذا بِيعَ في الدَّيْنِ، أو تَلِفَ، رَجَعَ السَّيِّدُ على الرّاهِنِ بقِيمَتِه؛ لأنَّ العارِيَّةَ تُضْمَنُ بقِيمَتِها. وإن تَلِفَ بغير تَفْرِيطٍ، فلا شىءَ على المُرْتَهِنِ؛ لأنَّ الرَّهْنَ لا يُضْمَنُ من غيرِ تَعَدٍّ. وإن اسْتَعارَ عَبْدًا من رَجُلَيْنِ، فرَهَنَهُ بمائةٍ، ثم قَضَى خَمْسِينَ، على أن تَخْرُجَ حِصَّةُ أحَدِهِما، لم تَخْرُجْ؛ لأنَّه رَهَنَهُ بجَمِيعِ الدَّيْنِ في صَفْقَةٍ، فلا يَنْفَكُّ بعضُه بِقَضَاءِ بعضِ الدَّيْنِ، كما لو كان العَبْدُ لِوَاحِدٍ.

فصل: وتجوزُ العارِيَّةُ مُطْلَقَةً ومُؤَقَّتةً؛ لأنَّها إِبَاحَةٌ، فأَشْبَهَتْ إِبَاحَةَ الطَّعَامِ.


(٣٢) سقط من: الأصل.
(٣٣) في الأصل: "لا".

<<  <  ج: ص:  >  >>